أمريكا الأخرى.. وتوقعاتها لسياسات ترامب - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تشهد الساحة السياسية الأمريكية، مناقشات بالغة الحساسية في دوائر ما يعرف بمؤسسة السياسة الخارجية، وهو وصف للنخبة من المفكرين، والخبراء، وأصحاب الخبرات، الذين كان ترامب قد استبعدهم من حساباته، في فترة رئاسته الأولى، وهم الذين كان كثير من الرؤساء الذين سبقوه، يتخذون من نتائج بحوثهم وما يسجلوه في أوراقهم المكتوبة، مصدراً لتوجيه مسارات لسياستهم الخارجية، وذلك تجاه قضايا لم يستطع معاونو الرئيس المقربون منه بلورة اتجاه سياسي متفق عليه للتعامل معها.
وحين جاء ترامب رئيساً في فترة رئاسته الأولى بعد انتخابات 2016، بل ومن قبلها أثناء حملته الانتخابية، فإنه دخل في قطيعة مع هذه النخبة، بل إنه واصل انتقاده لها وهجومه عليها، لدرجة أن محللين سياسيين وصفوا هذه النخبة بتعبير أمريكا الأخرى في عصر ترامب.
وإن كانت هناك توقعات من بعض هؤلاء عن أن ترامب قد تعلم من تجربة خسارته انتخابات عام 2020، قيمة العودة إلى الالتزام ببعض القواعد المستقرة في إدارة السياسة الخارجية، باعتبار أنه يتعامل الآن مع عالم قد تغير كثيراً عما كان عليه في فترة رئاسته الأولى.
جامعة أوكسفورد شاركت بدراسة تحليلية عنوانها «سياسة أمريكا الخارجية تحت رئاسة ترامب»، قالت فيها: إن هذه السياسة كانت قد انحرفت عام 2016 عما سار عليه من سبقوه من الرؤساء، ما أدى إلى عدم تقبل توجهاتها العالمية خاصة من الدول التي كانت تربطها بأمريكا علاقات سياسية وعسكرية، واقتصادية عميقة. وهو نهج يهيئ الظروف لعالم أشد خطورة.
وكان أكثر من مئة من خبراء السياسة الخارجية قد عبروا في رؤية مشتركة لهم في فترة رئاسته الأولى، اعترضوا فيها على ما وصفوه بإلغاء ترامب لقاعدة رئيسية في صناعة قرار السياسة الخارجية، والتي كانت تمثل خروجاً جوهرياً على تقاليد مستقرة في العلاقات الدبلوماسية، والعلاقات الاقتصادية.
فى نفس الوقت هناك على الناحية الأخرى من هذه الرؤية، من يميلون إلى توقع تغيير في النهج الرئاسي السابق لترامب، ومنهم قطاع من النخبة التقليدية، ويقولون إنه يواجه عالماً مختلفاً عن العالم الذي كان يتعامل معه في فترة رئاسته السابقة، وإن عناصر التغيير في هذا العالم قد أخذت تتبلور بقوة في السنوات القليلة الماضية، وهو ما دعا الخبراء لوصف رئاسته الجديدة بأنها ستكون من أصعب فترات ساكن البيت الأبيض على المستويين الداخلي والخارجي.
وإذا كان ترامب قد انشق عن النخبة صاحبة الدور المؤثر في صناعة السياسات، إلا أن هذه النخبة لم تفقد في نظر الرأى العام دورها التنويرى السياسي، باعتبارها صاحبة الخبرات الطويلة، وموضع تقدير مختلف الرؤساء.
وحين يرى الخبراء إمكان اتخاذ ترامب مسارات تتفق مع ما تلتف حوله هذه النخبة، فإنه يضمن نتائج إيجابية لسياساته.
في هذا المعترك من المناقشات الدائرة، فإن أعداداً متزايدة من المحللين المتابعين لمسار السياسة الخارجية، يرون أن أمريكا تحتاج إلى «إعادة صياغة توجه إستراتيجي»، لا يصطدم بالتغيرات الخارجية في مناطق العالم، ويقيها عدم الوقوع في أخطاء الماضى، وأن عصر إلمام أمريكا بقضايا العالم، وبما يجرى من تحولات في دول الجنوب، هو عصر قد انتهى.
وإنه لم يعد في إمكانها متابعة سياسات قديمة في عصر قد تغير، وإلا فإن سياستها الخارجية ستكون مكلفة وخطيرة، وأنها تحتاج رؤية مختلفة في مواجهة تحديات جديدة في أركان العالم، كما أنها تحتاج
إلى رؤية واقعية – وليست مدفوعة بالمشاعر أو بتقاليد سلوكية ثابتة، وهو ما يصطدم بمصالح أمريكا التي كانت ثابتة على حالها في سنوات سابقة، لم يكــن فيها العالم على نفس مواقفه في أيامنا هذه.
وتقول الرؤية التي طرحها المحللون في دائرة المناقشات الجارية على الساحة السياسية الأمريكية: إن صناعة قرار السياسة الخارجية على هذا النحو المنشود يحتاج إلى نظرة متعمقة ومدروسة ومتكاملة الأبعاد للعالم المتغير، من أجل وضع وسائل جديدة للتعامل معها.
ومن ناحية خبراء بدور الجنوب في العالم، فإنهم لا يتوقعون تغييرات رئيسية وشاملة في أمريكا، بالنظر إلى طابع الاستمرار للسياسة الخارجية طوال عشرات السنين الماضية.
وهم يرون أن مواقف ترامب من مختلف الأزمات والقضايا الدولية – التي صارت تشغل شعوب العالم، سوف تحدد ما إذا كان ترامب قد استوعب حقيقة كونه يتعامل مع عالم قد تغير بالفعل خلال السنوات القليلة الماضية.
فلقد عرفت أمريكا لسنوات طويلة قاعدة راسخة تقول: إن قاعدة الاستمرارية تسبق نهج التغير في صناعة السياسة الخارجية، لكن ذلك كان يحدث في عالم يحكمه ثبات في علاقات دول العالم مع هذه القوة العظمى، خاصة علاقات معظم دول الجنوب معها.
أما وإن هذه الدول تمر بتحولات وضعت في يدها الإمساك بمصير علاقاتها الخارجية، فضلاً عن مؤشرات تحولات في أوروبا حليفتها الأولى والتاريخية، فإن هناك من يتوقعون أن تزيح قاعدة الاستمرارية مكانها للتغيير، حتى لو فرضتها ظروف مستجدة في العالم فرضاً عليها. وتلك توقعات لا تزال محل دراسة قطاع كبير من النخبة التي تُعرف بأنها قطاع مهم ضمن مؤسسة السياسة الخارجية.

أخبار ذات صلة

0 تعليق