محاولة إسرائيل إشهار «الفيتو» ضد مشاركة فرنسا في لجنة المراقبة والإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار في لبنان، وإظهارها كجانب معطل للاتفاق، تحمل في طياتها الكثير من الخداع والتضليل، بقدر ما تهدف إلى كسب الوقت لتحقيق إنجاز ما يتيح لها فرض شروطها على لبنان بعد مواقفه الإيجابية التي تحدث عنها الوسيط الأمريكي آموس هوكشتاين وحتى بعض الإسرائيليين أنفسهم.
وهي محاولة تتجاوز أبعادها، في الواقع، حالة التوتر القائمة بين الجانبين الفرنسي والإسرائيلي منذ بعض الوقت، إلى السعي لإحراج فرنسا وتعطيل دورها وربما الانتقام من مواقف فرنسية سابقة، وتبرير رفضها لتسوية سياسية تقتصر فقط على تنفيذ القرار الأممي 1701، من دون أن تكون لها اليد العليا في حرية الحركة والتصرف داخل الأراضي اللبنانية.
تدرك إسرائيل أن فرنسا كانت مشاركة، ولا تزال، في قوات «اليونيفيل» منذ تأسيسها عام 1978، وهي صاحبة فكرة اللجنة الرباعية التي تشكلت في عام 1996 وأنهت الحرب آنذاك بين «حزب الله» وإسرائيل. وهي تدرك أن فرنسا تعتبر لاعباً أساسياً في كل ما يتعلق بلبنان، وأن هناك مقترحاً فرنسياً أمريكياً لوقف إطلاق النار قدم على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، ونسفته إسرائيل باغتيال الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله.
وبالتالي فإن الحديث عن رفض مشاركة فرنسا في لجنة المراقبة يبدو انتقامياً وليس فنياً، خصوصاً أن لبنان رفض مشاركة بريطانيا وألمانيا في هذه اللجنة، لوجود شبهات حول الدور الألماني في مساعدة إسرائيل، وهي تعي أن لبنان يطمئن للدور الفرنسي ولا يرى حاجة لمشاركة بريطانيا. بهذا المعنى تجد إسرائيل فرصة أمامها لإحراج فرنسا وتعطيل دورها والانتقام من مواقفها الأخيرة، رغم موقفها الباهت من مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت اللتين صدرتا عن المحكمة الجنائية الدولية.
وقد يضاف إلى ذلك تعديل الموقف الفرنسي، ولو نسبياً، عما كان عليه الحال بعد هجوم السابع من أكتوبر، تحت ثقل حرب الإبادة التي تشن ضد الفلسطينيين في قطاع غزة والتوترات الإضافية الناجمة عن مطالبة فرنسا بوقف تزويد إسرائيل بالسلاح، ورفض مشاركتها في معرضين دفاعيين أقيما في باريس الشهر الماضي، والاحتجاج على الاعتداء على مرافقي وزير الخارجية الفرنسي خلال زيارته للقدس مؤخراً.
ولكن رغم كل ذلك، تبدو مسألة استبعاد فرنسا من لجنة المراقبة شكلية ويمكن حلها، إلا إذا كانت إسرائيل تريد أن تجعل منها ذريعة للتغطية على قضايا خلافية أخرى، مثل حرية التحرك في لبنان، وتسوية الخلافات الحدودية وغيرهما وهو ما يدفع للسؤال عما إذا كانت فرنسا ستقف مكتوفة الأيدي إزاء هذا التحدي، وهي التي تملك أوراقاً كثيرة يمكن أن تلعبها على الصعيدين الثنائي والأوروبي، فهل يمكن أن ترد فرنسا على إسرائيل بخطوات قوية ومؤثرة، بما يحفظ هيبتها ودورها في لبنان والمنطقة، أم أن لباريس رأياً آخر؟
0 تعليق