يظل الشعر سيد المعنى الجمالي والثقافي في معرض الشارقة للكتاب من خلال الأمسيات المصاحبة، بل الأساسية في أجندة المعرض، وهو تقليد قديم عملت إدارة المعرض على تثبيته في الفعاليات السنوية منذ الثمانينات واليوم.
أجل، قرأ الشعراء الإماراتيون والعرب وغير العرب قصائد في أمسيات المعرض، وكانت، وإلى الآن، اللغة العربية، لغة ديوان العرب، إلى جانب لغات العالم الحية، وكان بعض الشعراء الأجانب يقرأون قصائدهم، ونتفاعل بها نحن العرب من دون حاجة إلى الترجمة، مثلما حدث مساء أمس الأول في قاعة الشعر، وهي أمسية حضرتها، وأصغيت إلى شعر عربي، وشعر فلبيني.
قرأت الشاعرة الفلبينية إستر فارغاس كاستيلو، وقدّمت لقصائدها بدموعها، قالت بالإنجليزية إن الشعر يجعلها مختلفة، وقد لمست هذا الاختلاف في كينونة هذه الشاعرة النحيلة، ولكن القوية مثل صوت موسيقي في قصبة ناي. قرأت إستر كاستيلو بالفلبينية، ومع ذلك، أكاد أفهم القصيدة عبر روح اللغة، وروح الشاعرة.
تحدثت إستر كاستيلو عن الشعر، وقرأت قصيدة حول السجادة، التي تحوّلت بالشعر من شيء نفرشه ونطأه إلى مادة إنسانية حيّة.
شعرت بأن ما تؤمن به إستر كاستيلو حول الشعر، هو ذاته ما أحسّ به شعورياً، وما أتبنّاه ثقافياً، وأن كتابة الشعر في جوهرها ومعناها هي فكرة واحدة عند الشاعر الآسيوي، أو الإفريقي أو الأوروبي.
الشاعر المصري جمال فتحي يكتب بقلمين: قلم قصيدة الفصحى، وقلم قصيدة المحكية المصرية ذات التراث العريق في ذاكرة أهل «أم الدنيا» بشكل خاص.
قصائد جمال فتحي المحكية باللسان المصري من السهل تحويلها من الشعبي إلى الفصيح. إن روح الشعر هنا واحدة، لكن الفرق فقط في اللسان. من اللسان الشعبي اليومي إلى اللسان الفصيح، وبالعكس، لكن الجوهر واحد: إنه جمال فتحي بذاته وفي ذاته، ابن «أم الدنيا»، أو ابن القصيدة العربية والمعنى الجوهري العربي الذي يرفع من شأن الثقافة الواحدة.
قرأ الفلسطيني عبدالله أبوبكر قصائد مشغولة بالحرير، هذا الشاعر الذي يربّي الكلام واللغة، ويدرّبهما على الصيد، صيد المعنى الذي لا يغادر القلب والروح والعقل.
تلقائياً، نشأت صداقة لن تذبل ولن تنسى بين شاعرين وشاعرة: إستر كاستيلو من هواء الفلبين، وجمال فتحي من ماء النيل، وعبدالله أبوبكر من حجر الكنعاني الأول الذي بنى البيت وشق الطريق، وزرع الزيتون.
الشعر في معرض الكتاب تحية جميلة للكتاب وللقارئ وللمكان الثقافي والإنساني الذي تولد فيه الصداقات، وتتلاقى الثقافات.
[email protected]
0 تعليق