هل تبسّمتَ ضاحكاً وأنت تقرأ العنوان؟ تخيّلتَ أربعمئة مليون عربيّ في قاعة الانتظار في مطار.
على هذا النحو لا يكون مطاراً، بل «ما طار». الطائرة التي تسع تلك الملايين، يجب أن تكون أكبر من الجامبو 747، مليون مرّة.
أمّا القاعة فلا تقلّ مساحتها عن مئة كيلومتر مربع، إذا حشرناهم على طريقة علبة السردين. الصورة مستوحاة من وضع ثمانية مليارات نسمة، سكان الأرض، في ألفي كم/2، بمعدل أربعة آدميين في المتر المربع. لتقريب الأرقام، خُمُس مساحة لبنان، أو ست مرّات مساحة غزّة. قليلاً ما تشكرون. المسألة مزاجية: أربعة عشر مليون كم/2 ضاقت بالعرب، ضاقت عنهم وضاقت عليهم، فذاقوا ما ذاقوا.
لك أن تحار في كنه الإلهام الأدبي كيف يتمنّع دلالاً. ألا ترى أن الإنصاف هو أن يكون صمويل بيكيت من صلب وترائب عربية؟ مسرحيته الشهيرة «في انتظار غودو»، أصلاً لا تنطبق على قوم من العالمين، انطباقها على معظم العالم العربي. قُلها وأنت تُغلظ القسم واليمين: محو الأمّية وتطوير المناهج ومولد البحث العلمي غودو، الصناعة والزراعة والإنتاج والبنى التحتية والصحة والإسكان غودو، استقلالية القضاء والعدالة وحريات الفكر والرأي والتعبير وتكافؤ الفرص واحترام كرامة الفرد غودو، العمل العربي المشترك والتجارة البينيّة وفرض الوجود على الساحة الدولية عبر التعامل ندّاً إلى ندّ وعدم التفريط في الحقوق والمقدّرات والمقدّسات لأيّ كبير أو صغير، كلها غودو في غودو. أمّا أهمّ غودو فهو استرجاع الحق السليب لبيت عمرو بن كلثوم، الذي وسَموه على الخرطوم فصار: «إذا بلغ الفطامَ لنا رضيعٌ.. يَخرّ لدى الجبابر أجمعينا». تلك القائمة المختصرة على قائمة الانتظار، في انتظار غودو. «وانتظروا إنّا منتظرون».
انتظار غودو طريف لعلاقته بالإبداع المسرحي، فالمشهد العربي، طوال العصر الحديث، مسرحيّة عجيبة، هي الأغرب حتى من قبل سوفوكليس. اليونانيون ظرفاء، اشتقوا التراجيديا من «تراجوس»، التيس، ولا يرون في الأمر تياسة. لكن القلم يتطيّر من الكاتب الإيرلندي المُنَوْبل، فالاسم صمويل يرينا العالم العربي وكأنه «صام ويلٌ» له عن التنمية وريادة العلوم والتقانة، حتى تخلف عن ركب التقدم والحضارة، فصار ينوح «بيكيت»: «بي كيت وكيت وكيت».
الانتظار عجيب. يقول أينشتاين: «الزمن نسبي، ضع يدك على مقلاة ساخنة، وستكون الدقيقة ساعة. واجلس إلى حسناء، وسترى الساعة دقيقة». كذلك انتظار العشرين من يناير، موعد تسلّم ترامب البيت الأبيض، في كل لحظة تبلغ القلوب الحناجر.
لزوم ما يلزم: النتيجة التحليلية: الأمّة التي لا ثقة لها بنفسها، لا ثقة لها في أيّ غودو، يأتي أو لا يأتي.
0 تعليق