تدرك جميع الأطراف المنخرطة والمعنية بالصراع بين «حزب الله» وإسرائيل أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي ولد فجر السابع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي من رحم الضغوط على الجانبين كان هشاً ولا يزال إلى الحد الذي بات يشكك الكثيرون في قدرته على الصمود، وما إذا كان ذلك سيشكل نهاية للحرب أم مجرد هدنة مؤقتة.
هناك عوامل كثيرة تتحكم في مسار هذا الاتفاق وإمكانية نجاحه من عدمها، يأتي في مقدمتها القدرة على لجم الغطرسة الإسرائيلية عن المضي قدماً في الخروق اليومية والمتعمدة سعياً لاستدراج رد من «حزب الله» يعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الاتفاق. والأمر الثاني هو منع الجانب الإسرائيلي من استغلال الفترة الرخوة ما بين إعلان الاتفاق وبدء تنفيذه من بسط سيطرته على مناطق لم ينجح في السيطرة عليها خلال الحرب بهدف فرض أمر واقع مغاير على الأرض، تحت الضغوط الداخلية الإسرائيلية الناجمة عن الشعور بالفشل في تحقيق الأهداف المعلنة، سواء في القضاء على «حزب الله» أو إعادة مستوطني الشمال إلى مناطقهم، ومن ثَم الفشل في تحقيق ما يسمى «النصر المطلق»، الذي كان من شأنه أن يمكّن نتنياهو من تحقيق هدفه الأبعد في تغيير الشرق الأوسط.
وقد يكون مشهد تدفق آلاف النازحين اللبنانيين إلى مناطقهم في الجنوب، من دون عودة مستوطني الشمال، ولّد صورة معاكسة لمجريات الحرب التدميرية والخراب الهائل الذي أحدثته آلة الحرب الإسرائيلية في لبنان. ولعل هذا ما دفع إسرائيل إلى محاولة تهشيم هذه الصورة، بإطلاق النار على المدنيين وحظر دخولهم إلى عشرات القرى في الجنوب، ومواصلة الخروق لتأكيد ما يسمى «حرية التحرك» الخارجة عن نصوص الاتفاق.
وهنا لا بد من طرح سؤال حول دور لجنة المراقبة المكلفة بالإشراف على تنفيذ الاتفاق، ولماذا تأخرت عن مباشرة دورها حتى الآن، في وقت لا تحتمل فيه الأوضاع الميدانية كل هذا التأخير؟ إذ إن هذه اللجنة لم تحرك ساكناً، باستثناء الجانب الفرنسي الذي حمّل إسرائيل بوضوح مسؤولية الخروق، وحذر من انهيار وقف إطلاق النار. فهل يعني ذلك منح إسرائيل المزيد من الوقت لتحقيق صورة انتصار لا تزال تبحث عنه، بينما الالتزام الأحادي من الجانب اللبناني ،قد لا يصمد طويلاً أمام الاستفزازات الإسرائيلية، وإن كان لا يزال منضبطاً لحسابات داخلية معقدة يفرضها الواقع اللبناني باختلافاته الطائفية والمذهبية؟ بهذا المعنى فإن عودة اشتعال الحرب لا تزال مضمرة، رغم ترجيحات المراقبين لإمكانية صمود الاتفاق في النهاية، إلا إذا كان لذلك علاقة بالتطورات الإقليمية، خصوصاً في الجوار السوري، وما لذلك من تأثير على الصراع في المنطقة، أو أن الأمر يتعلق بإعطاء نتنياهو فرصة لتمكينه من المناورة حتى مجيء إدارة ترامب، ربما في انتظار تسويات كبرى تطفئ نيران الحروب، وتمنع تدحرج الأوضاع نحو حرب إقليمية واسعة لا يرغب فيها أحد.
0 تعليق