مرونة دبلوماسية الإمارات الإنسانية - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في تسعينات القرن الماضي، أثناء الحرب البشعة على البوسنة والهرسك، سارع الكثير من أهل الخير عبر المؤسسات والدول لإقامة المخيمات وفي مقدمتهم كان المغفور له الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، «طيب الله ثراه». كان المخيم الإماراتي مخصصاً للمسلمين، لأنهم كانوا هم المضطهدين وقتها. وجاءت مجموعة كبيرة من غير المسلمين إلى المخيم يطلبون الطعام والسكن. فقام المسؤولون عن المخيم بالاتصال بأبوظبي، ليسألوا، ماذا يفعلون بهم؟ وعندما بلغ هذا الأمر إلى المغفور له الشيخ زايد، قال كلمة عظيمة: «أطعموا البشر والوحش والطير والحجر».
أضاف الأب المؤسس بُعداً مهماً في مرتكزات السياسة الخارجية تمَثل في «البعد الإنساني»، حيث كانت الإمارات من أوائل الدول التي تبادر بمدّ يد العون بغض النظر عن تغير الظروف السياسية. ويسجل التاريخ مواقف مشرفة للشيخ زايد في نُصرة ودعم شعب البوسنة والهرسك، خلال تعرضه لأبشع جرائم الحرب، حيث وجّه في سنة 1993 بتقديم 10 ملايين دولار، لإغاثتهم من الأوضاع المأساوية التي يمرّون بها. وأمر بإرسال العديد من شحنات الإغاثة من المواد الغذائية والطبية، ووجّه باستقبال أفواج من الجرحى، لعلاجهم في مستشفيات الدولة، وتكفّل بإقامة العشرات من العائلات في شقق مجهزة بالكامل وتوفير فرص العمل لهم.
وارتقى الوالد المؤسس بقيمة وحضور العمل الخيري، ليحوّله إلى أحد أهمّ أبعاد السياسة الخارجية للإمارات، التي تتوجّه بالعون والمساعدة إلى كل البشر أينما وجدوا من دون النظر إلى دينهم أو عرقهم، كما أصبحت الإمارات في عهده من أهم الدول المساهمة في العمل الإنساني والإغاثي على مستوى العالم، وها هي اليوم بفضل إرثه تحتل المراكز الأولى عالمياً في المساعدات الخارجية، وإيجاد الحلول المرنة في تقديم هذه المساعدات.
وتحيط بنا اليوم العديد من الأزمات، أصعبها الحرب في غزة التي أثارت مأساة إنسانية حقيقية. اعتادت دولة الإمارات أن تجلي الأشقاء من غزة عبر معبر رفح ومطار العريش في مصر، لتلقي العلاج في أبوظبي. وعندما قامت إسرائيل بقصف رفح، تم إغلاق المعبر، ما تطلب اعتماد توجهات جديدة ومبتكرة في السياسات الخارجية والمساعدات الإنسانية، من أجل تحقيق أعلى درجات المرونة في العمل الإنساني للتكيف مع متغيرات الحرب. من بعدها، سارعت الإمارات بإجلاء الجرحى عبر معبر كرم أبو سالم ومطار رامون في إسرائيل. ومن خلال مشاركتي في عملية الإجلاء الأخيرة من مطار رامون، أدركت حجم الجهود المبذولة من حكومة دولة الإمارات. ففي ظل هذه الظروف الاستثنائية الحساسة، أثبتت الإمارات جدارتها في التعامل مع جميع الأطراف لإغاثة الشعب الفلسطيني. وتعتبر هذه نقطة تحوّل في تاريخ العمل الإنساني. ويقف خلف هذه الجهود الاستثنائية سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية.
المرونة تعني القدرة على التعامل مع الظروف العصيبة، وتحمّل الصدمات، والتكيف المستمر، والانطلاق بسرعة كافية لتجاوز الاضطرابات والأزمات. وقد أصبحت المرونة محور حديث مهم، سواء لقادة الدول أو المؤسسات بوصفها ضرورةً حقيقية.
ويكمن السؤال اليوم في السبل التي يجب على المؤسسات اتباعها لتحقيق المرونة واستشراف المستقبل والاستعداد لمواجهة الصدمات ومواكبة الواقع الجديد. تحقيق الأهداف الاستراتيجية يتطلب وضع سياسات قائمة على المرونة والتكيف مع مختلف المستجدات على الساحتين الإقليمية والعالمية، ولذلك فإن تفعيل الشراكات الاستراتيجية مع مختلف الأطراف لم يعدْ خياراً، بل ضرورة لمجابهة تلك المستجدات.
إن تعزيز كفاءة العمل الإنساني والانتقال به إلى مراحل متقدمة يتطلب مواكبة أبرز الاتجاهات المستقبلية، وتطوير الأدوات الداعمة لمفهوم الدبلوماسية الإنسانية المرنة القادرة على توظيف الذكاء الاصطناعي والابتكار في تصميم سيناريوهات المستقبل، وإيجاد حلول استباقية لتحدياته.
ومن المؤكد أن سياسات العمل الإنساني والخيري الإماراتي تعكس المرونة المتميزة التي تتمتع بها جميع مؤسسات دولة الإمارات، فهذه الدولة لا تعرف صناديق التفكير، بل إن فكر قادتها دائماً خارج الصندوق.
وقد اعترف العالم بهذه المرونة الهائلة التي تتمتع بها الإمارات، بحيث احتلت المرتبة الخامسة عالمياً حسب مؤشر الذكاء الاصطناعي 2024 التابع لمعهد ستانفورد للذكاء الاصطناعي. ومن المؤكد أن التحول إلى توظيف الذكاء الاصطناعي في جميع مؤسسات الدولة سوف ينعكس على العمل الإنساني.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق