الامتحان الأصعب - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

سواء سلّمنا بما يردده البعض حول أن ما تشهده سوريا هو امتداد لما عُرف باسم «الربيع العربي»، أو أنه يُقرأ في سياق جديد محكوم بزمن وجغرافيا وظروف سياسية مختلفة، فإننا، كعرب، أمام الامتحان الأصعب في دورات التغيير التي نمر بها منذ 2011.
والصعوبة البالغة هنا مبعثها مقدمات التغيير المجهولة حتى الآن في الحالة السورية وغياب رواية متماسكة حول ما جري في الأيام العشرة التي تهاوت فيها صور سيطرة النظام السوري السابق على الخريطة لمصلحة قوى متنوعة في الأفكار والولاءات.
صحيح أن هذا التنوع يُجمع قسراً تحت مسمى المعارضة، لكنّ ذلك لا يمكن أن يشغل المراقب عن تاريخ بعض المكونات التي تظهر بوجه جديد مرسوم لها يزعم القطيعة مع أفكاره القديمة المنكرة لمعنى الدولة الوطنية وارتباطها بجهات ترى في الخروج عليها مرادفاً لما تسميه الجهاد.
هذا التنوع، وانتماء بعض مكونات ما اصطلح على تسميته الآن بالمعارضة السورية التي يقال إنها أسقطت نظام بشار الأسد، هما عنصران حاكمان في الانشغال بمستقبل سوريا، فلسنا أمام مرحلة تسيطر عليها مؤسسة كالجيش، أو ائتلاف حزبي، أو برلمان، وتملك القدرة على إدارة المرحلة الانتقالية وتحدد مساراتها وصولاً إلى الاتفاق على قيادة جديدة.
والخشية كذلك أكبر من أن يتفرق جمع هذه المعارضة، لاختلاف الولاءات والمصالح، فتعود إلى سيرتها الأولى فرقاً أو تيارات يحاول كل منها أن ينفرد بالقرار، ويصل الأمر إلى ظهور أكثر من سلاح، وأكثر من سوريا.
ليس بوسع المحب لسوريا إلا أن يتمنى لها، ولكل الدول العربية وشعوبها، الخير وتعويض معاناة عقود، وأول ما يمكن تقديمه للسوريين الآن نصيحة بألا يتحول أي أمل في الاستقرار إلى كابوس نرى مثيله في بعض أقطارنا التي طالها التغيير الذي كان، للأسف، إلى الأسوأ إلى درجة تمني عودة ما كان قبله.
بوضع سوريا الجغرافي، وتكوينها المجتمعي، وطبيعة التغيير الحاصل ورموزه، تكون محور الامتحان الأصعب إلى حد الحيرة في من توجه له النصيحة ويعقد عليه الأمل في رسم ملامح مستقبلها بما يلبي مطامح شعبها، وليس مطامع بعض جيرانها وغيرهم.
ورغم هذا، فلا شك في أن في هذا الشعب بميراثه الحضاري من يمكن الرهان عليه وائتمانه على مستقبله فيسرع الخطى إليه هروباً من الحاضر المربك والمرتبك.
هذا المستقبل هناك من يرسمه الآن في الغرف المغلقة باسم جماعة أو دولة بعينها أو يبيعه مقابل نفوذ، لكن الشعب السوري، وهو يتحسس مواضع الألم من تجربته، هو أشد حارس لمستقبله، لأنه أول المعنيين به من غير أن يستجيب لمحاولات إبقائه في دائرة الرغبة في الانتقام من عصر سابق، ولا أن ينخدع بمن يعده بجنة في الدنيا أو الآخرة.
لا يعني ذلك تغييب العدالة في مواجهة من ارتكب الجرائم أو صفق لها، فهي أولى خطوت النجاح في الامتحان الأصعب، لكنها ليست الوحيدة.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق