أخيراً.. نجحت كوريا الجنوبية في عزل رئيسها الذي تسبب بأزمة سياسية لم تشهدها البلاد منذ الحرب الكورية في أواسط القرن الماضي (1950 - 1953)، عندما فاجأ الكوريون، مؤخراً، بإعلان الأحكام العرفية، تحت ذرائع واهية أهمها أن البلاد تتعرض لخطر تسلل الشمال (كوريا الشمالية) إلى الجنوب.
لم تكن هذه الحجة لتقنع أحداً من الكوريين بأوهام الرئيس يون سوك يول الذي ينتمي إلى «حزب الشعب» المحافظ والمسكون بهاجس العداء للشيوعية والقوى اليسارية، لاعتقادهم بأنه لا يوجد في صفوفهم من يوالي الشمال، وأن جل ما يريده الرئيس هو تنفيذ برنامجه السياسي، الذي ووجه بمعارضة شديدة في البرلمان والشارع، على حد سواء. وبالتالي فقد سارع الكوريون إلى التعبير عن رفضهم لإجراءات الرئيس بتظاهرات صاخبة تطالب بعزله، كونها تتناقض مع الديمقراطية التي يعتقدون أنها الأكثر رسوخاً في بلدهم، على الأقل، بين دول جنوب شرق آسيا.
كما سارعت المعارضة إلى الاحتشاد في البرلمان، وسط مصادمات جسدية مع رجال الأمن، وتمكنت من اتخاذ قرار بإلغاء إجراءات الطوارئ، والموافقة على اقتراح يقضي بعزل الرئيس لانتهاكه قواعد الدستور والتمرد على القوانين. وبعد أكثر من محاولة جرت لعزله في الجمعية الوطنية (البرلمان)، تمكنت المعارضة التي تملك 192 نائباً من أصل 300 هم عدد أعضاء البرلمان، من استقطاب 12 نائباً من حزب الرئيس نفسه، لتمرير عملية العزل بأغلبية 204 نواب، أي بعد تجاوز عقبة ثلثي أعضاء البرلمان.
وهو ما اضطر الرئيس إلى الرضوخ وإبداء استعداده للتنحي، بعد أن كان قد ألغى الأحكام العرفية، التي لم تستمر سوى ست ساعات فقط، لكنه رفض في الوقت نفسه القبول بإجراءات العزل، متهماً بعض أعضاء حزبه بالخيانة، ومعلناً أنه لن يستسلم أبداً، بانتظار ما تقرره المحكمة الدستورية.
بموجب القانون أصبح رئيس الوزراء المعين من قبله، هان داك سو، رئيساً بالإنابة للبلاد، بانتظار ما تقرره المحكمة الدستورية، فإذا ما وافقت على إجراءات العزل، أو قدم استقالته، يصار إلى انتخابات رئاسية جديدة في غضون 60 يوماً.
وسط هذه الأزمة التي عصفت بكوريا الجنوبية، يخضع الرئيس «المعزول مؤقتاً» لتحقيق جنائي منفصل بتهمة التمرد على القوانين ومحاولة الاستئثار بالسلطة، بعد أن تم منعه من السفر إلى الخارج. كما تم توقيف وزير الدفاع الذي يقال بأنه كان يقف وراء إعلان الرئيس حالة الطوارئ، إلى جانب توقيف ثلاثة من كبار القادة العسكريين المتهمين بالتورط في هذه الأحداث، وفق ما أعلنت وزارة الدفاع.
في كل الأحوال، فإن ما ينبغي استخلاصه من هذا السجال الكوري، أنه عندما تكون هناك ديمقراطية حقيقية تتمتع بأغلبية شعبية واسعة، بغض النظر عن طبيعة النظام، فإنه يصعب على أي تمرد أن يجد طريقه للنجاح حتى لو امتلك مفاتيح القوة الغاشمة، لأن الأغلبية الشعبية هي من يحمي الديمقراطية، ولا أحد غيرها.
0 تعليق