«بضع ساعات في يوم ما».. مسك ختام 2024 سينمائياً - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

مارلين سلوم

في الصالات كثير من العروض، كلها تسعى إلى جذب الجمهور وإرضائه، لكن قلة تتمكن من الارتقاء إلى درجة التميز، ولا شك أن الأكثر تميزاً وسط هذا الكم من الإنتاج السينمائي الذي شهدناه خلال 2024، هو كل عمل يستند إلى النص «غير المألوف»، لذلك يمكن القول بأن «بضع ساعات في يوم ما» كان مسك ختام العام السينمائي الماضي، وقد استطاع فتح شهية الجمهور من جديد إلى الرواية، خصوصاً أنه نموذج للعمل المكتمل، سواء من حيث القصة والسيناريو أو من حيث الإخراج رغم صعوبة الفكرة، أو من حيث التمثيل وقد ضم مجموعة من النجوم فارتقى إلى حيث تصعب منافسته بين الأفلام الموجودة حالياً في الصالات.
لم يبتعد فيلم «بضع ساعات في يوم ما» عن مؤلف الرواية محمد صادق، فهو من أعدها لتصلح للعرض السينمائي، ويبدو أن تعاونه مع المخرج عثمان أبو لبن أثمر توافقاً في الرؤى أدى إلى تفاهم في التعاون ونجاح يلمسه الجمهور، والأهم أن اختيار النجوم لتجسيد أدوار البطولة لم يأتِ اعتباطياً، بل تمكن كل من هؤلاء من التألق في حجم الدور المسند إليه، علماً أنها ليست التجربة الأولى لمحمد صادق في تحويل إحدى رواياته إلى عمل سينمائي ولا هي المرة الأولى التي يضم فيها مجموعة من النجوم المحبوبين في عمل واحد، حيث عرف أولى تجاربه مع السينما بعد النجاح الكبير لروايته «هيبتا» (عام 2014)، والتي تم تحويلها إلى فيلم لاقى الكثير من الإعجاب عام 2016، وقام ببطولته ماجد الكدواني وياسمين رئيس وعمرو يوسف ودينا الشربيني وأحمد مالك وأحمد داوود وشيرين رضا ونيللي كريم وجميلة عوض وكنده علوش وغيرهم.
إدارة مجموعة كبيرة من النجوم المشهورين والمحبوبين ليست سهلة، والقصة التي كتبها صادق ليست سهلة أيضاً، فرواية «بضع ساعات في يوم ما» استثنائية، تقدم تحليلاً للشخصيات وتعيد قراءة كل نفس وما تخفيه وهو مكبوت ومدى اختلافه عن الظاهر المعلن.. يسير بأحداثه في الاتجاه المعاكس، لا تفهم في البداية العد التصاعدي الذي يكتبه على الشاشة حيث يفصل بين الأحداث بعبارات مكتوبة تحدد لنا مرور الوقت، الساعة الأولى ثم الساعة الثانية وهكذا حتى نصل إلى الساعة الثامنة.. لا نفهم معنى هذا العد والتوقيت إلا في اللحظات الأخيرة، حيث يعيد المخرج الشريط بعبارة «قبل 8 ساعات» وكأنه اقتطع مقدمة الفيلم ليعرضها في النهاية ولتكون هي الخاتمة، وبدقائق معدودة يستعيد عقل المشاهد الأحداث سريعاً فيربطها بما حدث لكل شخصية ويفهم سريعاً أسباب تصرفاتها وأسباب ما آلت إليه.. قد يبدو الأمر معقداً لكنه في الواقع ليس كذلك، 100 دقيقة تمر بلا ملل، نشاهد فيها ثنائيات ياسين (هشام ماجد) العازب الطيب القلب المحب لكل أصدقائه والذي لم يجد بعد الفتاة التي يقتنع بالزواج منها، وسارة (هنا الزاهد) الفتاة المدللة التي ما زالت تعيش ببراءة وإحساس الطفولة والشديدة التعلق بوالدها خصوصاً بعد وفاة والدتها وهي طفلة.. أمنية (مي عمر) وطارق (أحمد السعدني) زوجان يرتزقان من الترويج للمحال والمطاعم عبر السوشيال ميديا، لدرجة أن تصوير كل شيء في حياتهما يصبح هوساً، ويتحول طارق إلى إنسان شره لا يهمه سوى جني المال واستغلال كل تفاصيل حياتهما الشخصية في سبيل جمع أكبر عدد من «الفلوورز» المتابعين، وكسب ود المعلنين، كذلك استغلال شهرة زوجته أمنية راقصة الباليه السابقة وحب المعلنين لإطلالاتها الناجحة وشعبيتها على السوشيال ميديا.
الثنائي الثالث أمل (أسماء جلال) وخطيبها محمد (محمد الشرنوبي)، تشعر بميل نحو خطيبها السابق أيمن (محمد مهران) رغم تركه لها يوم خطوبتهما وزواجه من أخرى (تؤديها ناهد السباعي كضيفة شرف)، اختبار صعب يمر به الخطيبان، هل تسعى أمل إلى إثارة غيرة محمد أم أنها فعلاً ما زالت تحب أيمن رغم كل ما فعله بها، وإلى أي درجة يمكن للحب أن يساعد محمد وأمل على التسامح وتخطي الاختبار الصعب؟
الثنائي الرابع يسرا (هدى المفتي) وهشام (محمد سلام)، هنا الصراع النفسي كبير، يسرا ترفض تحكم شادي بها وربطه بين الحجاب والأخلاق، يفرض عليها ارتداء الحجاب كي تبدو وقورة ومحترمة و«مطيعة»، بينما يسرا تحب الحرية وترفض الخضوع لأوامر خطيبها وهي غير مقتنعة بمطالبه، فهي محترمة بلا حجاب، لذلك تمشي عكس المطلوب منها، فتقرر افتعال الخطأ طالما أن المجتمع يضعها في خانته ويتهمها به وهي لم ترتكبه بعد.. هنا يدخل على الخط من يسهل عليها هذه المهمة عبر اتصال من مجهول يؤديه صوتاً ولا تظهر منه إلا بعض الملامح حتى يظهر وجهه في لقطة سريعة في النهاية، ضيف الشرف كريم فهمي الذي يعرفه الجمهور سريعاً من صوته المميز.
الثنائي الخامس عاصي (خالد أنور) المصور الذي يرافق هشام المولع بالسوشيال ميديا إلى درجة الهوس، والساعي بكل جهده ليكون من المؤثرين الذين يتابعهم الملايين على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى ولو كذب وافتعل الأحداث واستغل حادث سير يصيب الفتاة ريم (مايان السيد) ليدعي بأنه البطل الذي أنقذها من الموت، بينما فعلياً ينقذها عاصي ليس من حادث السير واحتراق سيارتها فقط، بل من الحادث الأكبر الذي يكتشفه بالصدفة خلال وجوده بجانب ريم في المستشفى وهو تعرضها للتحرش من زوج أمها التي لم تنتبه إلى ما تعانيه ابنتها لولا تدخل عاصي ولفت انتباه الأم (عبير منير)، ريم شابة تعاني أيضاً الحركة العصبية اللاإرادية والتلعثم واسمه «متلازمة توريت».
العنف بأوجه متعددة يستعرضه المؤلف في تلك القصص التي تبدو منفصلة، لكنها تترابط في النهاية من خلال هؤلاء الأشخاص الذين نكتشف أنهم مجموعة أصدقاء كل يخفي خلف حكايته وجهاً للعنف يمارسه أو يتعرض له، سارة تتعرض للتحرش وسوء نظرة الرجال لها وتجمعها الصدفة بياسين ويجمعهما الحب.. يسرا تختار السير في طريق الخطأ بسبب سوء تقدير المجتمع وخطيبها لها لأنها غير محجبة.. شادي يبحث عن دور لنفسه وسط المشاهير ولو على حساب القيم والمبادئ الأخلاقية.. ريم ومأساتها بسبب تحرش زوج أمها بها.. أمنية المعنفة من زوجها طارق والتي تعيش مأساة حقيقية وحياة زوجية غير سوية، بينما يتصنع الزوجان قصص الحب والتفاهم أمام الكاميرا.. أيمن الخائن لخطيبته ولزوجته والذي يريد الاحتفاظ بالاثنتين بسبب شدة أنانيته.. وأمل المحجبة التائهة بين حب ضائع وخطيب يقدم لها الحب الحقيقي ويجسد كل معاني الوفاء.
المخرج عثمان أبو لبن قدم لنا عملاً متميزاً جداً، ورغم صعوبة الدمج بين القصص والمشي قدماً بالأحداث ساعة تلو الأخرى ثم العودة بنا إلى البداية لاكتشاف علاقة كل هؤلاء ببعضهم بعضاً وسبب تعداد مرور الوقت وما الذي تعنيه «الثماني ساعات» تحديداً؟.. إلا أن المخرج تعامل بسلاسة وبراعة مع القصة فلم نشعر بالتوهان أو الارتباك، بل أوصلنا إلى استنتاج جوهر الأحداث بشكل مبسط وتلقائي، فكان الختام هو ذروة العمل وجوهره.
كذلك جاء تمثيل كل هؤلاء النجوم في قمة الأداء التلقائي الذي يلمس إحساس الجمهور بكل صدق.. ولا شك أن كل تلك المميزات، وتماشي القصة مع الواقع الذي يعيشه الإنسان في الوقت الحالي ومع عالم السوشيال ميديا بكل «هوسه» وجنونه أضاف إلى العمل مصداقية ونجاحاً.

[email protected]

أخبار ذات صلة

0 تعليق