سكان العالم وثنائية الحياة والموت - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

تقدِّر المؤسسات الدولية المتخصصة عددَ سكان العالم بنحو ثمانية مليارات إنسان يعيشون في مختلف القارات بنهاية عام 2024، وهذا الرقم كبير جداً مقارنة بتقديرات منتصف القرن الماضي حيث كان الرقمُ مليارين ونصف مليار إنسان، أي أن الرقم تضاعف كثيراً خلال أقل من قرن من الزمان.
يعود السبب في هذه الزيادة المهولة إلى تطور الحياة بوسائلها المختلفة، وزيادة العناية الطبية في كل المجتمعات، والقضاء على الكثير من الأمراض السارية، وعلاج مئات الأمراض التي كانت تتسبب في موت الكثير من البشر، وقد كان اكتشاف «المضاد الحيوي» قبل خمسة وستين عاماً بمثابة فتح كبير في عالم الطب، لأن هذا الاكتشاف العجيب أسهم في القضاء على الالتهابات الفيروسية، وبالتالي إنقاذ حياة الكثير من المرضى من مختلف الأعمار.
غير أن توزع السكان في العالم ليس بكميات متساوية، فحسب تقرير لمجلة «نيوإنغلند»، فإن هناك تبايناً شديداً في عدد السكان بين القارات، حيث تبلغ النسبة 60% في آسيا، 11% في أوروبا، و5% في أمريكا الشمالية، و9% في أمريكا الجنوبية، و15% في إفريقيا. ويعيش 49% من سكان العالم في القرى، بينما يقطن 51% في المدن، وكما نرى فإن تركز سكان العالم الرئيسي في آسيا، لأن هذه القارة هي قلب العالم، وشروط الحياة فيها ميسرة، فلا يوجد فيها ارتفاع كبير في درجات الحرارة مثل إفريقيا، ولا يوجد فيها أيضاً انخفاض كبير في درجات الحرارة كما هو الحال في معظم أوروبا وأمريكا الشمالية، كما أن معظم بلاد آسيا هي أراض صالحة للزراعة ونسبة الصحاري في هذه القارة قليلة بالمقارنة مع اتساع حجم الأراضي الصالحة للعيش، وتمثل الصين نموذجاً للبلاد المثالية نظراً لغلبة المناخ المعتدل عليها، وبالتالي فهذه البلاد تضم أكبر عدد سكان في كل دول العالم، لأنها غنية بالأنهار والأماكن الصالحة للعيش بكل سهولة ويسر. وأيضاً تملك الهند في أغلبيتها نفس خصائص بلاد الصين، ولذلك فإن لديها ثاني أكبر نسبة سكان في العالم.
ورغم أن قارة إفريقيا كبيرة من حيث المساحة والتي تزيد عن ثلاثين مليون كيلومتراً مربعاً، لكن قرابة نصف تلك المساحة هو عبارة عن صحارٍ قاحلة تمتد من المحيط الأطلسي حتى البحر الأحمر، ويخترق خط الاستواء هذه القارة، وبالتالي تكثر فيها الغابات والمساحات الخالية من السكان، حيث تنتشر غابات الكونغو التي هي أكبر غابات في العالم، بعد تلك الموجودة في حوض الأمازون، وتمتد عبر حوض نهر الكونغو وروافده في وسط إفريقيا، وتشمل مجموعة من الدول هي الكونغو الديمقراطية وجمهورية الكونغو والكاميرون والغابون وإفريقيا الوسطى، وغينيا الاستوائية، وبالتالي كانت شروط الحياة منذ القدم صعبة في هذه القارة ما جعل عدد سكانها قليلاً جداً مقارنة مع حجم سكان قارة آسيا.
وأما أوروبا وهي أصغر قارات العالم القديم بالمساحة التي تبلغ عشرة ملايين كيلو متر مربع، لكن جزءاً كبيراً من تلك المساحة يمثل بلاداً خالية من السكان مثل: غرينلاند، أو ذات عدد قليل من السكان مقارنة بالمساحة الكبيرة مثل: فنلندا التي تبلغ مساحتها نحو ثلاثمئة وأربعين ألف كيلو مترٍ مربعٍ، وعدد سكانها خمسة ملايين إنسان، والسويد التي تبلغ مساحتها أربعمئة وخمسين ألف كيلو مترٍ مربعٍ، ويبلغ عدد سكانها عشرة ملايين إنسان فقط، والأمر ينطبق على دول أخرى مثل: النرويج وبيلاروسيا، وكذلك الجمهورية الروسية نفسها التي يقع جزء كبير من أراضها في قارة أوروبا.
وأما قارة أمريكا فهي حديثة التشكل وأغلبية سكانها من المهاجرين تحديداً من قارة أوروبا، لكن هناك مساحات شاسعة منها غير مسكونة، ففي دولة مثل: كندا التي تبلغ مساحتها عشرة ملايين كيلو متر مربع، بينما يبلغ عدد سكانها نحو ثلاثين مليون إنسان، وهذه النسبة غير متناسبة إطلاقاً مع تلك المساحة الشاسعة، وتمثل الولايات المتحدة الأرض الأم، وقلب تلك القارة، ولذلك فأغلبية مناخها معتدل ولذلك كثر فيها عدد السكان الذي يبلغ ثلاثمئة مليون إنسان، وأما المساحة فهي تسعة ملايين كيلومترٍ مربعٍ.
وفي القارة الجنوبية تمثل البرازيل نصف مساحة أمريكا الجنوبية، وهي ثمانية ملايين كيلومترٍ مربعٍ، تشغل غابة الأمازون منها مساحة خمسة ملايين كيلو مترٍ مربعٍ، وهكذا نرى أن الموانع الطبيعية من صحاري وغابات وثلوج هي التي جعلت مناطق واسعة من أغلبية بلاد العالم غير مسكونة.
إن هذه الزيادة المطردة من السكان تمثل خللاً في الكثافة السكانية، فعلى الرغم من الفارق القليل في المساحة بين الصين (تسعة ملايين ونصف المليون كيلو متر مربع) وبين كندا (تقارب العشرة ملايين كيلو مترٍ مربعٍ) إلا أن الأولى يقطنها ما يقرب من سدس سكان العالم بينما الثانية لا يتجاوز عدد سكانها عدد سكان مدينة شنغهاي الصينية، لذلك تسعى العديد من الدول ذات المساحات الشاسعة والكثافة السكانية الأقل إلى تشجيع الهجرات إليها، وهذا قد يصنع توازناً في الكثافات السكانية في العالم، بحيث تقل الفجوات في الدخول، وتتقلص نسب الفقر خاصة في الدول ذات الكثافة السكانية العالية المصدرة للعمالة مثل: الهند وبنغلادش وباكستان والفلبين وغيرها من الدول.

[email protected]

أخبار ذات صلة

0 تعليق