ما بعد الدخان والركام - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

وليد عثمان
كان من المفترض أن تنشغل كل الأطراف المعنية في المنطقة هذه الأيام بخلاصات الحرب في غزة وعليها، وقد توقفت طبعاً، في محاولة للاعتبار مما أفضت إليه والاتفاق على صيغ تمنع الانخراط مجدداً في مواجهات مماثلة ضررها أكبر من نفعها، إن كان فيما جرى نفع.
الحاصل أن تبعات ما بدأ في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضى تتداعى، وبسرعة، على نحو درامي تعددت فيه المنعطفات وذرى الأحداث التي أوهمتنا أن النهاية تقترب، غير أنها تزداد ابتعاداً.
والأخطر أن هذه التبعات تتفاقم وتتزايد حتى بأكثر مما حذر منه المتابعون، بل إن التوقعات انقلبت، فخاتمة المواجهة التي انتظرناها في غزة تبددت، وتمددت إلى لبنان وصرنا ننتظر ميداناً جديداً لها.
رائحة الخطر تملأ الأنوف، لكن لا أحد يعرف أين يبدأ فصل جديد من مأساة هذه المنطقة المبتلاة بالقلق الدائم وكأنها منذورة للبقاء على فوهة بركان لا يصبر طويلاً على كتم حممه فتتجدد دورات ثورانه حارقة أحلام أجيال بأن تحيا مستمتعة بحقوق نظيراتها في بقية أجزاء العالم.
أي منطقة في العالم تحتمل كل هذا الإنهاك النفسي وتعتاد أن يسكن القلق معظم أرجائها، وأن تحصي في دورات متكررة قتلاها واليائسين من مستقبلهم؟ إن سنوات الهدنة والبناء في هذه المنطقة تأكلها سريعاً سنوات دخان الغارات وركام الهدم، فيعلو الحاجز بين سكانها والمستقبل.
إننا نساق إلى المجهول بفعل الحمقى المحتكرين لمصائر هذه المنطقة، بينما من يمتلكون الحكمة والبصيرة ويزرعون الأمل استثناء يكاد غبار الجنوح نحو العنف والبلاهة يدمر غرسهم.
إن كان من المهم أن نحصي ضحايانا في فلسطين ولبنان وغيرهما، وأن نقدّر كلفة إعادة إعمار البنيان، فإن الأهم أن نبحث عن صيغة تضمن للأجيال الجديدة التي تكبر وسط كل هذا الاضطراب السواء النفسي والعقلي. حين نكرّم من ضاعت أرواحهم وسط ما يجري، علينا أن نراقب من تتفرق طفولتهم وشبابهم بين الصور المروعة، سواء كانوا يعيشونها على الأرض أو تطاردهم عبر الشاشات المتنافسة في نقل وقائع المأساة التي نحياها.
إن نحو 20 ألف طفل ولدوا في غزة خلال عام الحرب، بدأوا حياتهم بذاكرة ممتلئة بالموت وتفاصيله وطرقه المتعددة، وهؤلاء ومن سيأتي بعدهم نواة سنوات أخرى من القلق. ولا أحد يعلم كم سيكون الرقم حين تنتهي الحرب في غزة، ولا كم مولود في لبنان سيشق طريقه في هذه البقعة من العالم بينما الدخان وأصوات الانفجارات تستقبله. وهؤلاء وأولئك ومن سينضم إليهم في نقاط أخرى قد تطالها المأساة الجارية، بذور مستقبل محكوم بلا شك بجذوره التي ترسخ العنف.
إن انقشع الدخان، فكيف يتجاوز أبطال مستقبل هذه المنطقة ركام ما تدمّر منها، ومنه في غزة وحدها 42 مليون طن حتى الآن بتقديرات الأمم المتحدة، وستزيد بلا شك لتجعل الطريق إلى المستقبل أضيق.
[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق