هل تذكر «لجنة بيكر هاملتون»، في مجموعة دراسة العراق؟ شكّلها الكونغرس الأمريكي سنة 2006، لإعداد تقرير عن الوضع العراقي، وما جناه من الحرب. رحى الوغى طحنت مليوني عراقي، وادّعى التقرير أن العدد ستمئة ألف، مقابل مقتل ثلاثة آلاف عسكري أمريكي. بأرقام اللجنة: مئتا ضحية مدنية عراقية، يقابلها قتيل محتلّ. في حين أن الحقيقة هي أن الأمريكي بستة وستين وستمئة عراقي.
صرختُ في وجه القلم: ما هكذا يكون فن تحرير العمود، ألم نتفق على أن الموضوع مداره أساليب الكتابة؟ قال: بلى، ولكن فليطمئن قلبك، فذلك التمهيد ضروريّ. جورج بوش الابن حين عرضوا عليه التقرير، أراد انتقاء بعض التوصيات دون غيرها، فقال له وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر: «إن التقرير ليس سلطة فواكه، حتى تختار ما تستطيب، وتترك الباقي». هو ذا بيت القصيد.
ثمّة قضايا كثيرة لا تحظى لدى الكتّاب والمؤسسات الثقافية بمثقال ذرة من الاهتمام. مثلاً: لا توجد في العالم العربي بحوث تعكف على دراسة فقدان الأسلوبية مكانتها. حذار الخلط بين الجمالية والبلاغة. قد تكون البلاغة خادعةً مثلما يرى الناقد الفيلسوف الفرنسي رولان بارت، لكونها تُبعد المتلقي من الحقيقة، جرّاء التنميق والزخرفة اللفظيين. الفارق جليّ، فشتان ما بين جميلة حسناء على الطبيعة، وواحدة عليها طبقات من مستحضرات التجميل، حتى إذا أزالتها ذُعر الذعر.
دع المغالطات الأدبية، فلا وزن لها حين يحصحص النقد القويم. لا منطق أو عقل يقضي بأن الجمالية الأسلوبية، لا ينبغي أن تكون سلطة فواكه. البرهان القاطع هو سلطة الفواكه في جمالية تعدّد المذاقات. مثل المصطلح الصوفي: «الوحدة في الكثرة، والكثرة في الوحدة». جمال لغتنا العربية مكوّن من ثمان وعشرين مخرجاً صوتياً. وكل الموسيقى سبع درجات صوتية مختلفة. أمّا الألوان ودرجاتها فستة عشر مليوناً. المهمّ هو مقولة موتزارت: «في التأليف الموسيقي لا أفعل شيئاً غير أن أجعل النوتات المتحابّة متجاورةً». بسيطة: طبّق ذلك في الكتابة. لا أحد يمنعك من أن تجمع بين عشرين أسلوباً. لا وجود لعداوة بين الأساليب، إذا استطعت أن تجعل ذلك أسلوبك. الأديب الفرنسي أندريه مالرو يقول: «الفن هو ما يجعل من الشكل أسلوباً». الجماليات الأسلوبية تقنيات تشبه تقنيات الكون والطبيعة، فلا تصير قديمةً، أمّا تقنيات الميكانيكا والتقانة فيتجاوزها الزمن. دحرجة الجذوع كعجلات انتهت. أمّا زخرفات السجع والجناس فمثل إيقاع الليل والنهار والفصول.
لزوم ما يلزم: النتيجة اللعِبيّة: الإنجليز والفرنسيون يستخدمون فعل لعب للعزف. الأسلوبية أيضاً لعب وعزف.
[email protected]
0 تعليق