بعد فراغ رئاسي استمر لأكثر من سنتين، تخللتهما 12 محاولة فاشلة لانتخاب رئيس جديد خلفاً للرئيس السابق ميشال عون، انتخب البرلمان اللبناني أمس قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً للبلاد بأكثرية 99 صوتاً من أصل 128، وبذلك أصبح الرئيس الرابع عشر للبنان منذ استقلاله العام 1943، والعسكري الخامس برتبة جنرال الذي يتولى منصب الرئاسة، إذ سبقه أربعة رؤساء يحملون نفس الرتبة هم: فؤاد شهاب (1958-1962)، إميل لحود (1998-2007)، ميشال سليمان (2008-2014)، ميشال عون (2016-2022).
بعد دورتي تصويت، لم يحصل في الدورة الأولى إلا على 71 صوتاً، أي أقل من أغلبية الثلثين المطلوبة (86 صوتاً)، تم رفع الجلسة لساعتين، تم خلالها إجراء مشاورات واتصالات لتأمين الأصوات اللازمة، إذ إن هناك قراراً دولياً وعربياً من اللجنة الخماسية (الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر) بأن يكون هناك رئيس للجمهورية، وأن الجنرال عون هو مرشحها المفضل في هذه المرحلة.
خلال فترة الساعتين، قام وفد نيابي من الثنائي الشيعي (أمل وحزب الله) بزيارة عون للحصول منه على بعض التطمينات، ثم عاد إلى مجلس النواب، متخلياً عن الورقة البيضاء واستبدلها بتأييده وحصوله على الـ 99 صوتاً. في حين توزعت بقية الأصوات بين «الورقة البيضاء» و«حماية الدستور» للنواب الذيــــن اعتبروا انتخاب عون مخالفاً للدستور.
الآن صار للبنان رئيسه، ودخل مرحلة جديدة تقتضي تشكيل حكومة بديلة لحكومة تصريف الأعمال الحالية، ودوران عجلة المؤسسات الرسمية، وتضميد جراح اللبنانيين جراء العدوان الإسرائيلي الأخير، والتعامل مع مشكلة إعادة الإعمار، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعانيها اللبنانيون منذ أكثر من خمس سنوات.
لم يكن انتخاب الرئيس الجديد عملية سهلة، فقد مر بمخاض عسير جراء الصراعات السياسية الداخلية، والاستقطابات الإقليمية، إضافة إلى الأزمة الطائفية المتحكمة برقاب اللبنانيين، جراء التركيبة الطائفية للنظام القائم على المحاصصة الذي ينتج الأزمات، ويؤدي أحياناً إلى حروب أهلية، مع العلم أن الشغور الرئاسي الذي يتجدد مع كل عملية انتخاب رئيس جديد هو نتيجة لهذا النظام الطائفي.
في خطاب القَسَم الذي أدلى به الرئيس الجديد جوزيف عون أمام مجلس النواب تحدث عن مروحة واسعة من القضايا الداخلية التي تواجه عهده، وأطلق الكثير من التعهدات أمام اللبنانيين، وأشار إلى أن لبنان بدأ مرحلة جديدة، متعهداً «بالحفاظ على سيادة واستقلال البلاد ولن يفرط بهما»، وأنه سيمارس صلاحيات رئيس الجمهورية «كحكم عادل بين الأطراف السياسية»، وأشار إلى «ضرورة استثمار لبنان في جيشه لتأمين الحدود، ومحاربة الإرهاب، وتطبيق القرارات الدولية»، مؤكداً أن الدولة اللبنانية «ستتمكن من إزالة الاحتلال الإسرائيلي وآثار عدوانه»، كما أشار إلى استقلال القضاء، وحماية أموال المودعين، وإجراء مشاورات سياسية سريعة لتشكيل الحكومة اللبنانية المقبلة.
المهمة صعبة، والتحديات كبيرة، والأزمات شائكة، فهل يستطيع الجنرال الخامس أن يواجهها وينتصر عليها بإرادة الجندي، ويحقق ما حققه الجنرال الإصلاحي فؤاد شهاب من إصلاحات اقتصادية واجتماعية وتنموية أواخر الخمسينات ومطلع الستينات، أم أن الظروف تغيرت.؟
0 تعليق