ترامب الرئيس القوي - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

الأصل في النظام السياسي الأمريكي الرئاسي أن يوصف الرئيس بالرئيس القوي الضعيف لمشاركة الكونغرس وحتى المحكمة العليا في السلطات الرئاسية تطبيقاً لمبدأ نظام الكوابح والجوامح، والذي يقصد به أن كل سلطة تشارك السلطة الأخرى كبحاً لجموحها في ممارسة سلطاتها.
ورغم ذلك يبقى منصب الرئيس محور وقلب النظام السياسي الأمريكي لما يمثله ويجسده ويمارسه من سلطات كما جاء في الدستور الأمريكي. فلقد حرص المؤسسون الأوائل أن يكون للولايات المتحدة الأمريكية رئيس واحد قوي تتوحد فيه الهوية والأمة في إطار واحد، وتبرز مظاهر هذه القوة وتتعدد في العديد من الصور التي أقرها الدستور الأمريكي: فهو الوحيد الذي يتم انتخاب الرئيس من خلال انتخابات عامة تجرى كل أربع سنوات يشارك فيها كل الشعب الأمريكي ويتم انتخابه من قبل ما يعرف بالكلية الانتخابية التي تبلغ أصواتها 534 صوتاً، أي مجموع أصوات كل ولاية في الكونغرس وهذا تأكيد على هذه الوحدانية الانتخابية التي تمنحه قوة لا تتوفر لا شخص آخر على عكس انتخابات الكونغرس الأمريكي بمجلسيه، حيث يتم انتخاب أعضائه من قبل سكان كل ولاية وهو ما يعني انتخابياً أن الرئيس الأمريكي يساوي مجموع أعضاء الكونغرس.
والأمر الثاني أن الدستور حصر كل السلطة التنفيذية في شخص الرئيس فقط ، فالحكومة مسؤولة أمامه وهو من يعينها، وكل الجهاز الإداري مسؤوليته وأيضاً تبعية المؤسسة الأمنية والجيش. ففي حين السلطة التشريعية يمثلها 543 نائباً، فإن السلطة التنفيذية يمثلها شخص واحد. والأمر الثالث الذي يكمن في قوة الرئيس هو السلطات الواسعة التي يتمتع بها في مجال السلطتين التشريعية والقضائية. فمن سلطاته التصديق على مشروعات القوانين الصادرة عن الكونغرس وله حق الاعتراض، وتعيين القضاة، إضافة إلى سلطاته الواسعة في المجال العلاقات الخارجية والسلم والحرب.
ورغم مظاهر هذه القوة المطلقة، لكن المؤسسين كانوا حريصين على أن لا يتحول الرئيس إلى رئيس ديكتاتور مطلق لا يحاسب، فتم ابتداع نظام الكوابح والجوامح ، وخلاصته مشاركة السلطة في سلطات السلطة الأخرى. وخصوصاً في مسائل الموازنة والمال. ويكفي أن المحكمة الاتحادية العليا تملك الحق القضائي في إقرار دستورية أم عدم دستورية أي قرار رئاسي.
ومن القيود المفروضة على الرئيس تحديد فترة رئاسته بثمانية أعوام فقط متتاليتين أو منفصلتين المهم أن لا يحكم أكثر من ثمانية أعوام. وبعدها يتحول إلى مواطن عادي يمكن أن يُحاكم ويُسأل. وهو ما يعني أن الرئيس ورغم محورية منصبه لا يحكم بمفرده، بل من خلال منظومة من المؤسسات تحقيقاً للمصلحة الأمريكية العليا التي تعتبر القيد الأعلى على الرئيس. الرئيس الأمريكي رغم أنه يملك أقوى السلطات مقارنة بأي رئيس آخر إلا أن قوته من خلال منظومة من المؤسسات والآليات التي تضمن من ناحية عدم تفرده بالسلطة وإساءته لها ، ومن ناحية أخرى ضمان المصلحة الأمريكية العليا المنظمة والمحددة لمدى سلطاته.
لذلك لا يستطيع الرئيس أن يتفرد بالقرار حتى لو كان بمقدوره دستورياً لذلك. فتداعيات أي قرار رئاسي ليست سهلة، فالخطأ قد يكون مكلفاً للرئيس والنظام السياسي كله. ولا يمكن فهم قوة وضعف الرئيس في السياق الدستوري فقط، بل في السياق السياسي الأوسع والأشمل، فالرئيس يعمل في سياق نظام سياسي يعرف بالنظام السياسي المفتوح على كل المتغيرات والمؤثرات، وهنا يبرز تأثير اللوبيات مثل اللوبي الصهيوني والرأي العام وتأثير الأثرياء والمال والإعلام، ودور النخب الفكرية والعلمية ومؤسسات الفكر المؤثرة.
في النهاية، إن الذي يحكم أمريكا تحالف من ثلاث مؤسسات هي المؤسسة السياسية والمؤسسة الاقتصادية والمؤسسة العسكرية الأمنية. وفي هذا السياق يمكن فهم القرارات الرئاسية من قضايا كثيرة في مقدمتها القضية الفلسطينية والدعم المطلق لإسرائيل كما في الحرب على غزة، وموقف إدارة الرئيس بايدن مثال على ذلك. ويبقى السؤال الذي نطرحه على هذا التوصيف العام، فهو ينطبق على الرئيس دونالد ترامب الذي أعيد انتخابه مجدداً رئيساً للولايات المتحدة.
ووفقاً لكلّ ذلك قد يخرج الرئيس ترامب عن صفة الرئيس القوي الضعيف ليصبح الرئيس القوي لأكثر من سبب، أولاً نتيجة الانتخابات ذاتها وحصوله على عدد كبير من أصوات الكلية الانتخابية وفوز الأكثرية الجمهورية في مجلسي الكونغرس، إضافة إلى خلفية أعضاء المحكمة الاتحادية العليا الموالية له، وتمدد الحالة الترامبية والشعبوية الأمريكية البيضاء، والتحالف مع الأثرياء ورجال المال واللوبيات. وكل هذا يجعله في موقف رئاسي غير مسبوق في الذهاب بعيداً في اتخاذ القرارات الخاصة بالبيئة والهجرة وفرض الرسوم الجمركية وفي علاقات أمريكا مع حلفائها التقليديين على ضفة الأطلسي، وفي الموقف من الصين وروسيا والحروب في المنطقة. وأخيراً، فالرئيس ترامب قد يكون القوي في السياسة الداخلية لكن عالمياً يبقى الموقف رهن قوة الدول الأخرى وقدرتها على تحدي القرارات الأمريكية.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق