احتضنت مدينة الرياض أمس اجتماعات وزارية حول سوريا ضمت وفوداً عربية وأجنبية، وذلك استكمالاً ل «اجتماعات العقبة» التي عقدت في الأردن يوم 14 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وهي تأتي اليوم في ظل أوضاع سياسية جديدة بعد التطورات التي حصلت هناك وسقوط نظام بشار الأسد وحلول نظام جديد بدلاً منه، ما يستلزم مراجعة للعلاقات مع النظام الجديد وكيفية التعامل معه، من منطلق الحفاظ على سوريا موحدة وذات سيادة، وملتزمة بعروبتها، وعلاقاتها مع كافة الدول العربية والعالم على قاعدة الاحترام المتبادل.
وقد شارك سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية في الاجتماعات التي عقدت في جلستين، الأولى بحضور وزراء الخارجية العرب، والثانية بمشاركة وزراء خارجية فرنسا وتركيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، إضافة إلى ممثلين عن الولايات المتحدة وإيطاليا، وقد أكد سموه أن هذا الاجتماع الوزاري الموسع يأتي تجسيداً لأهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية بهدف دعم الشعب السوري الشقيق بكافة أطيافه من أجل بناء سوريا موحدة، ومستقرة وآمنة، لا إرهاب ولا إقصاء لأحد فيها، وهذا موقف إماراتي ثابت يؤكد التزام الإمارات بأمن وسلامة سوريا ووحدة أراضيها وشعبها.
ولا شك في أن الأوضاع الصعبة، الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تعيشها سوريا في هذه المرحلة الانتقالية تشكل همّاً عربياً من خلال توفير شبكة أمان تمكنها من تجاوز هذه المرحلة، وتحديداً السعي لرفع العقوبات المفروضة عليها التي تعيق بناء الدولة، وتضع المواطنين أمام وضع إنساني صعب جداً.
ويأتي اجتماع الرياض بعد اجتماع عقده كبار الدبلوماسيين من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي بشأن سوريا في روما يوم الخميس الماضي، لكن قرار رفع العقوبات بالكامل ينتظر قراراً غربياً جماعياً، لعل اجتماع الرياض يكون منطلقاً للقرار.
إن هذا الزخم الدبلوماسي العربي والأجنبي المتعلق بالتطورات السورية يحتاج إلى رافعة داخلية سورية لتسهيل رفع العقوبات، وتطبيع العلاقات بين سوريا ودول العالم، وتقديم تطمينات حول المرحلة الانتقالية وشكل الحكم، والدستور، والحريات العامة وحقوق المرأة، وقيام وطن القانون، والعدالة والمساواة بين المواطنين، وإدارة التنوع الاجتماعي والديني والإثني والثقافي، والتخلي عن المعتقدات المتطرفة التي تصيب الوطن في مقتل، وتعيد الصراع على الدولة من خلال إعطائها هوية عقائدية معينة.
فيما تبحث السلطة السياسية السورية الجديدة عن علاقات عربية ودولية تعيدها إلى الحاضنتين العربية والدولية، عليها أن تبعث برسائل إيجابية إلى الخارج مفادها أنها عازمة على التغيير، وأن العملية السياسية التي هي بصددها هدفها بناء الدولة وفق صيغة عصرية من خلال بناء المؤسسات، ونبذ العنف، ولمّ الشمل، والخروج من دائرة الحزبية والعقائدية الضيقة، والإقصاء والإبعاد، والخروج إلى معارج الحرية والشراكة، فإنها بذلك تتقدم خطوة إلى الأمام وتقدم للعالم شهادة حسن سلوك تحتاج إليها الآن تحديداً.
0 تعليق