احتاج لبنان إلى نحو 800 يوم لإنهاء الفراغ الرئاسي القاتل على وقع سلسلة من الأزمات المركبة والمتراكمة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وفوقها حرب إسرائيلية مدمرة لا تزال تداعياتها مستمرة على الواقع اللبناني، لكنه نجح أخيراً في انتخاب رئيس جديد للبلاد، ليعيد الروح إلى الدولة والحياة المؤسساتية، ويبعث الأمل لدى اللبنانيين بإمكانية مواجهة التحديات الهائلة التي تنتظرهم.
ومهما اختلفت الآراء حول انتخاب قائد الجيش جوزيف عون، والطريقة التي تم بها، سواء لجهة وجود مخالفة دستورية، أو لجهة حدوث ولادة قيصرية أنتجتها الضغوط والتدخلات الخارجية، فإن مجرد انتخابه يعد إنجازاً للبنان في ظل الظروف الخطرة والمعقدة التي يعيشها الداخل اللبناني وتشهدها المنطقة والإقليم على وجه العموم.
صحيح أنه لا ينبغي المساس بالدستور، ولكن الدساتير في الأصل توضع لخدمة الأوطان وليس العكس، إذ ما نفع الدستور إذا ضاع الوطن، كما أن هناك سابقة مماثلة وافق عليها اللبنانيون. أما العوامل الخارجية، فهي كانت حاضرة دوماً، وهي أمر اعتاد عليه اللبنانيون منذ سنوات طويلة، حيث لم نسمع عن انتخاب رئيس جاء بصناعة لبنانية مئة في المئة. وبالتالي فإن الصفحة طويت بالفعل، لكن الأهم الآن هو كيفية تعاون جميع اللبنانيين على اختلاف مشاربهم وطوائفهم وانتماءاتهم السياسية في إنجاح العهد الجديد، بعيداً عن موازين الربح والخسارة والانقسام والمناكفات والمواقف الكيدية، وتمكينه من قيادة السفينة في بحر من العواصف العاتية.
فالرئيس الجديد دخل عالم السياسة من بوابة الجيش، وهو لا يملك حزباً سياسياً، ولا تياراً جماهيرياً معيناً، وإن كان يحظى بالشعبية ذاتها التي يحظى بها الجيش باعتباره محل إجماع لدى اللبنانيين. لكن بالمقابل، ثمة محاذير كثيرة ينبغي للعهد الجديد تجنبها، لكي لا يقع في الحسابات الخاطئة، خصوصاً وأن خطاب القسم للرئيس عون أمام البرلمان، حمل الكثير من الرسائل الموجهة إلى الداخل والخارج على حد سواء.
وهو ما يمكن اعتباره بمنزلة خطوط عريضة أو برنامج عمل للحكومة المقبلة وربما للعهد بأكمله، شريطة عدم التسرع أو تجاوز الخطوط الحمر بما يقود إلى انفجار الوضع الداخلي والذهاب إلى حرب أهلية. وهو ما يعتمد، بطبيعة الحال، على كيفية معالجة الملفات الحساسة، مثل نزع السلاح وبسط سيطرة الدولة، ومعالجة ملف إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإخراجه من الأراضي اللبنانية، إضافة إلى ملف النازحين وإعادة الإعمار، ناهيك عن إخراج البلاد من دوامة الأزمة الاقتصادية المزمنة، وكسب ثقة المانحين الدوليين. وهو أيضاً يعتمد على الحكمة وعدم التسرع في التعامل مع حركة الإقليم المتغيرة والمتسارعة، لما لها من تداعيات مباشرة على لبنان.
وفي كل الأحوال، إذا كان بعضهم يعتقد أن الرئيس جوزيف عون يحظى بدعم خارجي إقليمي ودولي كبير، فإن قوة لبنان الحقيقية تكمن في الحفاظ على وحدته وسيادته واستقلاله وتمتين علاقاته بمحيطه العربي، وهي العوامل التي تحمي لبنان وتمكنه من مواجهة التحديات المقبلة.
[email protected]
0 تعليق