التكنولوجيا والأطفال - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

يبكي الطفل بكاءً حارقاً، فتقدّم الأم هاتفها المتحرك أمام وجهه، فيسكت مباشرة، كأنك فتحت مذياعاً وأقفلته.
لو حرم الأب أو الأم الطفل من استخدام الهاتف المتحرك أو (آي باد) أو (بلاي ستيشن)، ستظهر عليه علامات الغضب وعدم التوازن والكآبة، وسيصاب بنوبات عصبية، وقد يتفوّه بكلمات خارجة عن اللياقة والأدب؟.
لو نسي الأب هاتفه المتحرك في البيت وذهب إلى العمل، أو نسيه في العمل وعاد إلى البيت، ستظهر عليه علامات القلق والتأفّف، وسيعجز عن توفير بديل يملأ وقته به.
هل هو الإدمان، الذي يؤدي إلى انسحابات على الصحة والنفس، أم هو اعتياد الإنسان على الاستقبال، فيمضي كل وقته في حالة ملء دماغه ومزاجه وعواطفه من مصدر خارجي، ولا يستطيع تقديم مبادرة لنفسه تقوده إلى التفكير والإبداع..
أثبت العلماء الاختصاصيون أن الاستخدام المتواصل للأجهزة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، يؤدي إلى الإدمان، وتكون آثاره شبيهة بإدمان الكحول والمخدرات، وسيكون في حاجة إلى دورات تأهيلية، شأنه شأن المدمن على المخدرات والمشروبات الكحولية.
بالمجمل، أي سلوك يتكرر، ويستبد بالإنسان، سيؤدي إلى نوع من الإدمان، حتى أن هناك إدماناً على العمل، ويصيب الإنسان الذي يعمل لساعات طويلة ولا يمنح نفسه إجازة، أو راحة، بل إن الإقبال المتواصل على العمل سيؤدي إلى زيادة ساعات العمل، حتى يتحوّل إلى إدمان.
إن أخطر أنواع الإدمان على الإلكترونيات يتم مع الأطفال، لا سيّما، في سن الثانية والثالثة، فما فوق، هنا يحدث ارتباط نفسي ومزاجي وعقلي وعاطفي بين الطفل والجهاز، بما يقدّم له من إغراءات تستولي على اهتمامه، وتأسر انتباهه، وتشكل عالمه، حيث يرتبط الطفل بأصوات أو حركات أو أشكال محدّدة، تصبح عالمه، الذي يشبع نفسه، ويتحوّل إلى شرط لهدوئه، وعدم تعكير صفو البيت وجلسات الأهل، وقد تحاول الأمهات التصدي لأطفالهن فيواجهن نفسية وشخصية المدمن، وقد تستمرئ السهولة في السيطرة على الطفل بواسطة الهاتف المتحرك أو حتى التلفزيون، وهي لا تعرف أنها تخسر دورها شيئاً فشيئاً،
تلعب المربيات أدواراً سلبية مع الأطفال، وربما يكنّ السبب المباشر في إدمان الطفل على التلفاز أو الهاتف المتحرك، حتى أنه لا يتناول وجبته إلا بحضور هذا الجهاز أو ذاك.
كل ما سبق معروف لدى الأمهات والآباء، ومعروف لدى اختصاصيي التربية والتنمية البشرية، والأكثر من هذا، كل ما ذُكر معروف لدى المؤسسات الرسمية ذات الصلة وذات العلاقة، ولكن، من دون أن يتدخّل الأهل أو الاختصاصيون أو المؤسسة. واستدراكاً، تقوم المؤسسات التربوية الحكومية في الخارج بالتدخل، كحق من حقوقها، وواجب من واجباتها، ويتم التواصل مع الأهل، وقد تتخذ المؤسسة قرارات وعقوبات ضد الأهل، بسبب الاستخدام السلبي للتكنولوجيا، أو سوء استخدامها، والأهم، بسبب تجاهل أولياء الأمور لتلك السلوكيات والعادات التي تؤثر في التحصيل العلمي.
يمكنني القول بثقة، إن هذا النوع من الإدمان الخاص بالأطفال، يشكل قضية أمن وطني لدى حكومات كثيرة، وبنسب متفاوتة، والأجدر بنا، أن يشكل قضية أمن وطني بالنسبة لنا، ويمكن للحكومات التدخل وتقوم بوضع تشريعات قوية تُطبّق بصرامة على كل شخص يُضبط وهو يتيح الهاتف المتجول للأطفال حديثي الولادة، أو الأطفال ذوي الثلاث أو أربع سنوات، ويمكن توكيل موظفين يقومون بهذا العمل، أو إضافة هذه المهام لموظفين يعملون في الشأن العام. ونحن هنا لا ننادي باقتحام البيوت، لا سمح الله، ولكن يمكن مراقبة هذا الأمر في الأماكن العامة، لأنه ببساطة، مشهد غير تربوي وغير حضاري، ويمكن اعتبار هذا الأمر امتداداً للعملية التعليمية والتكوين الشخصي والذاتي، والحرص على تنشئة جيل سليم ومعافى من العادات السيئة والإدمان النفسي.
قد ينظر البعض إلى هذا الأمر نظرة دهشة واستغراب، ويعدّه تدخّلاً في العملية التربوية الخاصة للأجيال الصاعدة، وأعتقد، لو نظرنا إلى مستقبل الأجيال، فسنكف عن التعاطي بلامبالاة مع هذه الظواهر الخطيرة التي تحدّ من خيال الطفل وتأملاته وبراءته، فينشأ كائناً اعتاد على الاستقبال فقط، فتتوقف عنده عملية الإرسال والإبداع، والاحتكاك بتفاصيل محيطه، والتعرّف إليه، والتفاعل معه، ويعتاد الصمت ويكفّ عن كونه عضواً جميلاً من أعضاء العائلة، فلا يتواصل معهم.
يكفينا معرفة أن وسائل التواصل الاجتماعي، التي بدلاً من أن تكون أدوات للتواصل بين الناس، تحوّلت إلى أدوات تحبس الناس في شاشات صغيرة لساعات طويلة من دون أدنى فائدة، خاصة إذا كان المتصفّح قد اختار مواد ترفيهية بحتة، لا تسمن ولا تغني من جوع، مجرد إبحار بين الصور والأغاني والمقالب المضحكة وغيرها، باختلاف من يبحث عن المحتوى الهادف.
ولا شك أن الأم أو المربية التي تمكّن الطفل من الهاتف المتحرك لشراء سكوته وحركته وشغبه، فإنها تتركه عرضة لمحتوى هزيل، ناهيك عن أن الطفل في هذا العمر لن يفرّق بين المحتوى الهادف أو السطحي، لأنه يتعرّض لرسوم متحركة لساعات طويلة، وقد ينام وهو يشاهد، فأي خيال سيتم بناؤه، وأي تحفيز لفكرة أو شكل أو صوت، وربما ينهض معكّر المزاج.
القضية في حاجة إلى دراسة علمية لأنها ليست عادية، بل مؤلمة اجتماعياً وتنموياً.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق