ما رأيك في أن نشاكس الملحنين، فهم المشكلة، ومنهم ننتظر الحلّ، حين نكون على نيّاتنا؟ بصراحة، الطرح سيكون أشدّ إزعاجاً من البراغيث تحت قمصانهم، لكن الإعلام الحيّ «عجوز لا يهمّها قَرص».
لدينا في العالم العربي ملحّنون، وليس عندنا مؤلفون موسيقيون. موسيقانا سجينة محبس الأغنية، وهي زنزانة ضيّقة بلا أفق. حتى الطابع الطربيّ فيها، في السنين الأخيرة، بعد غياب الكبار المتميّزين، بات يدعو إلى الرثاء: انهار مستوى الكلمات، انخفض منسوب إلمام الملحنين بالمقامات والتلوين المقامي، غدت العلاقات العامّة والمؤهلات الفسيولوجيّة أهمّ من المساحة الصوتية ومهارات الأداء.
كيف يمكن نقل الموسيقى العربية من محبس التلحين إلى رحاب التأليف الموسيقي؟ للقلم مقترح أشبه بالبناء من جديد. حاشا أن يكون مستوحىً من الفوضى الخلّاقة، التي وصفتها كونداليزا رايس، وهي عازفة بيانو، بأنها التسوية بالأرض والبناء من الصفر. جوهر الطرح: إذا أردنا الانتقال إلى التأليف، فلا بدّ من اعتماد البيانو في هذا التحوّل العملاق، كآلة للتأليف. العود عزيز على ذوقنا الطربيّ، أثير إلى نفوسنا المتشبثة باحتضانه، لكنه ممتاز للأغاني.
لغير العارفين: البيانو فيه لوحة مفاتيح فيها 88 درجةً صوتيةً، اثنان وخمسون مفتاحاً أبيض، وستة وثلاثون أسود. تضم هذه المساحة جميع أنواع الآلات في العالم، من أعمق الأصوات يسار البيانو، كالكونترباص، إلى أعلى الأصوات يميناً، كالكمان السوبرانو والفلوت بيكولو. بهذا ينعتق الموسيقي من سجن الأغنية، يتحرر من متر في متر، إلى فضاءات العروج إلى البروج. يغدو الملحن مؤلفاً موسيقياً، يفكر بخيال أوركسترالي، لا بمقاييس فلانة ذات الحنجرة «التعبانة».
دع مسائل ما يسمى خطأً ربع التون، وصوابه ثلاثة أرباع التون، إلى وقت آخر، فالأهمّ هو فتح المجال للموسيقى الجادّة، والنجاة من شكل الأغنية التي صارت لموسيقانا بمثابة قوقعة الحلزون. لا يمكن إبداع أفكار موسيقية في الأغنية التي تمثل مستعمرةً للكلمات. حتى التوزيع الأوركسترالي لدينا ساذج.
تخيّل أن آلةً رائعةً مثل الأوبوا، لا تجد مكانها ومكانتها في الفرق العربية، إلا إذا احتاجوا إلى تقليد صوت البلبل. تصوّر أن محمد عبدالوهاب نفسه لم يكن يوزع بنفسه، أي لم يكن يلحّن بخيال أوركسترالي. بيتهوفن كان يؤلف ويدوّن على الورق لأكثر من مئة آلة، يتخيّل أداءها قبل عزفها أوركستراليّاً. موتزارت كانت تتجسّد في سمعه أصوات السوبرانو، الميتزوسوبرانو، الكونترالتو، التينور، الباريتون، الباص وهو يؤلف للأوبرا.
لزوم ما يلزم: النتيجة الرومية: يقول جلال الدين: «جال العطّار مدن العشق السبع.. نحن لا نزال في منعطف هذا الزقاق».
[email protected]
0 تعليق