اليوم التالي.. الآن! - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

يطرح سؤال اليوم التالي نفسه مجدداً في أحوال وأجواء مختلفة عما كانت عليه قبل الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن.
انطوى الاحتفاء الشعبي الواسع والتلقائي في شوارع غزة على رسالة سياسية يصعب تجاهل آثارها وتداعياتها، أن إرادة المقاومة تحت أسوأ حروب الإبادة والتجويع أقوى من توحش القوة.
ثبت في الميدان أن هزيمة إسرائيل ممكنة. كان ذلك نوعاً من النصر. في الوقت نفسه بدت إسرائيل كمن تنفس الصعداء أخيراً.
أيدت نسبة كبيرة من الرأي العام الإسرائيلي الاتفاق، على الرغم من أنه ينص على تراجعات جوهرية تنسف تماماً وعود رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بـ«النصر المطلق»! بات مصيره هو نفسه معلقاً على حسابات وتوازنات لا يمكنه التحكم فيها.
لم ينجح في تحقيق أي من أهداف الحرب، التي امتدت لـ15 شهراً، المعلنة وغير المعلنة. لا قوض «حماس» ولا نجح في استعادة الأسرى والرهائن بالعمل العسكري.
لم يعد بوسعه أي حديث مرة أخرى عن إعادة احتلال غزة وفرض حكم عسكري عليها.. كان ذلك نوعاً من الهزيمة.
يكاد يستحيل أن يتراجع عن الاتفاق، حتى لو انسحبت أحزاب اليمين المتطرف من الائتلاف الحاكم وانهارت حكومته، فالكلفة السياسية لا يمكن تحملها بالصدام المباشر مع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بأول أيامه في البيت الأبيض.
إذا التزم بالاتفاق فهو في أزمة عميقة قد تكلفه منصبه وخضوعه للتحقيق عن مسؤوليته عما جرى في السابع من أكتوبر، وإذا نقضه بذريعة أو أخرى، فإن إسرائيل كلها قد تدخل في أزمة وجودية وصدامات محتملة على كافة المستويات.
ما الذي يمكن أن يحدث فعلاً في اليوم التالي؟ في مايو 2024 قدم الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن مشروعاً لاتفاق زعم أنه إسرائيلي، لكن نتنياهو لم يؤيده أو يؤكد انتسابه إليه. لا يختلف مشروع بايدن في جوهره مع الاتفاق الذي تم إقراره.
كان ذلك الاتفاق المجهض جزء من تصور أوسع لليوم التالي من ترتيبات وإجراءات سياسية وأمنية للسيطرة على القطاع بعد وقف إطلاق النار. لا يوجد الآن مثل هذا التصور الواسع.
لم يكن نتنياهو مستعداً لأي نقاش جدي عن أية ترتيبات قبل اجتثاث «حماس» وتحقيق كامل أهدافه من الحرب. ولم يبد أدنى تقبل لإسناد أي دور أمني وسياسي للسلطة الفلسطينية في غزة.
غاب عنه تماماً أي أفق سياسي، طالباً تمديد الحرب حتى لو أشعلت المنطقة كلها بالنيران، خشية لحظة الحساب على مسؤوليته عما جرى في السابع من أكتوبر.
في الوقت نفسه راهن على أهداف شبه معلنة كالتهجير القســري من غـــزة إلى سيناء، والاستيلاء على الغاز، أو إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط لبناء نظام إقليمي جديد تقوده إسرائيل..كل ذلك سقط تماماً.
لماذا الآن؟ كان ذلك سؤالاً ملحاً عقب إعلان التوصل إلى الاتفاق.
سئل بايدن بعد أن ألقى بياناً في مؤتمر بالبيت الأبيض: من ينبغي أن نشكره، أنت أم ترامب؟ أجاب وهو يغادر: «هل هذه نكتة؟»
الحقيقة التي يعرفها العالم كله أنه شارك في إغلاق الملف الدموي، الذي يستحق المثول بسببه أمام جهات العدالة الدولية، إذا كانت هناك عدالة في هذا العالم.
بدا ترامب حازماً وقوياً على عكس بايدن، الذي فعل لإسرائيل ما لم يفعله رئيس أمريكي آخر لمنع أي انهيار محتمل إثر السابع من أكتوبر. في نهاية المطاف لم يجد بايدن من يشكره.
كان الهدف الرئيسي من المساعدات العسكرية الأمريكية، التي تدفقت بمعدلات غير مسبوقة على إسرائيل، تمكينها من الانتقام بأقوى قوة ردع حتى لا يرتفع رأساً في فلسطين يدعو إلى المقاومة، أو يطالب بأية حقوق مشروعة في تقرير مصير شعبه.
الفلسطينيون حاربوا أمريكا قبل إسرائيل. هذه هي الحقيقة الكبرى التي لا ينبغي أن تغيب في أي نظر لليوم التالي.
عقيدة بايدن تختلف عن عقيدة ترامب. الأول، يميل إلى العسكرة المفرطة، كما حدث فعلاً في حربي أوكرانيا وغزة. والثاني، رجل صفقات، وسؤاله الرئيسي دوماً: ما الثمن؟
توسيع اتفاقيات السلام، تحد أول على أجندة ترامب.
موضوع التحدي: مقابل ماذا؟
لا توجد أدنى إجابة قادرة على تلبية الحقائق الجديدة بعد السابع من أكتوبر.
العودة إلى صفقة القرن فشل مسبق، فجوهرها تلخيص القضية الفلسطينية في المساعدات الإنسانية وإلغاء طابعها بصفتها قضية تحرر وطني.. ثم إنه يعارض حل الدولتين.
ما البديل؟ لا يقول شيئاً.
التحدي الثاني، ملف الاستيطان وسيناريوهات فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية ماثلة، وهو تحدٍ آخر يفضي إلى انفجار مدوٍ في أرجاء الأراضي الفلسطينية المحتلة.
التحدي الثالث، العقدة الإيرانية، التي يصعب تجاوزها بالتهديدات العسكرية وحدها.. لن يذهب «ترامب» إلى الحرب معها، لكنه لن يحاول حلحلة الأزمة من جذورها.. هذا هو السيناريو الأكثر ترجيحاً في اليوم التالي.
ربما تميل إدارته إلى تخفيض التوتر في الشرق الأوسط، لكنها لا تمتلك أية خطة استراتيجية واضحة ومحكمة.
التحدي الرابع، الوضع السياسي الداخلي الفلسطيني، أو مستقبل السلطة في اليوم التالي وسط أجواء محمومة داخلها ضد إسناد أية أدوار لـ«حماس» في القطاع ومطاردات لجماعات المقاومة في الضفة الغربية.
المعادلة يصعب تجاوزها بسهولة، السلطة فقدت شرعيتها و«حماس» محاصرة.
أخطر ما قد يحدث في اليوم التالي أن تحصد إسرائيل بالتخاذل العربي والانقسام الفلسطيني ما لم تحصده بالحرب.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق