مشهد معقّد - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

يوحي المشهد العام في المنطقة، وتحديداً في الدول المحيطة بإسرائيل، وبدقةٍ أكثر، في فلسطين (الضفة الغربية وغزة)، وفي لبنان وسوريا، وإسرائيل ذاتها، بأن المنطقة تعيش مخاضاً قد يؤدي إلى حالة من السلم أو الاستقرار، وهذا الإيحاء يكتنفه حذر شديد، إن لم يكن توتراً أو ترقّباً، نتيجة أمور كثيرة، تتعلق بالأوضاع الداخلية في كل بلد، وعدم انقشاع الرؤية الحقيقية للتفاهمات أو الاتفاقات، وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني، إضافة إلى وجود الإسلام الراديكالي والسياسي، مع اليمين المتطرّف، ما يخلق ضبابية في الصورة الحالية والمستقبلية تعوق عمل المحللين، وتصعّب وضع تصوّر واضح، أو حتى سيناريوهات منطقية مرتقبة.
فما تضخّه وسائل الإعلام من أخبار وتصريحات شيء، وما يدور في الغرف المغلقة شيء آخر، وما تخفيه النوايا شيء ثالث، ما يجعل أيّ مهتم في قراءة المشهد قلقاً ومتردّداً وأحياناً متشائماً، وهذا بفعل عدم تحقيق الأهداف التي تم الإعلان عنها، وتتعلق باستراتيجيات العمل السياسي والوطني لكل بلد وفئة، أي للاعبين الواضحين وهؤلاء الذين يديرون المشهد من تحت الطاولة، أو في الخفاء، وهؤلاء لديهم أجندات محلية في البلدان المذكورة، وأجندات إقليمية، إضافة إلى سياسات خاصة باللاعبين المخفيين، وقد يتحمّل هؤلاء مسؤولية أي انفراج أو تعقيد، سلام أو حرب.
من المفترض أن يكون وقف إطلاق النار قد بدأ أمس في قطاع غزة في فلسطين، مُنهياً حرباً ضروساً ومدمّرة وقاسية عانت منها الأطراف المتقاتلة إضافة إلى دول إقليمية، ويأمل السياسيون أن ينعكس هذا الوضع على الواقع المتفجّر في مدن ومخيّمات الضفة الغربية، التي شهدت صدامات بين رجال أمن السلطة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، ومسلحين فلسطينيين.
ومن المفترض أيضاً أن مهلة الستين يوماً التي تضمّنها وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل تنتهي خلال الأيام القليلة المقبلة، ويُفترض أن تسحب إسرائيل قواتها من المناطق التي احتلتها في جنوب لبنان، ويُفترض أيضاً البدء في العملية السياسية في سوريا بعد الإطاحة بالنظام السوري الذي كان يترأسه بشّار الأسد، وهي عملية سياسية شاقة جداً، سيّما أن الإدارة السورية الجديدة وضعت مهلة ثلاث سنوات لإنجاز دستور جديد، ما يعني أن المشهد السياسي والعسكري والأمني سيبقى على حالة، مع وجود تركيبة قتالية وعسكرية معقّدة تتولى حفظ الأمن في سوريا، كما يُفترض أن يستعد الإسرائيليون للتعامل مع تفاصيل كل حالة مع تعقيداتها، وأن يهيئوا أنفسهم لمرحلة جديدة عنوانها السلام والاستقرار.
وفي الواقع، تخشى جميع الأطراف، بما فيها إسرائيل، كلمة السلام، لأن الجميع يعتقدون أنهم لم يحصلوا على ما خطّطوا له ولم يحقّقوا أهدافهم، بل يشعر البعض، ومنهم بعض السياسيين الإسرائيليين، أنهم أصيبوا بهزيمة، ووقف إطلاق النار في غزة هو تكريس لقوة حركة حماس، وحماس ذاتها لا تشعر بالراحة، رغم إعلانها النصر و(إفشال مخططات العدو)، وهو المصطلح ذاته الذي يستخدمه قادة حزب الله في لبنان. وفي النهاية لا أحد يقرّ بهزيمته، وهو أمر طبيعي وطنياً، لكنه منافٍ للحقيقة منطقياً. وهذا ينطبق على جميع المشاركين في الحروب، وهناك من يحلو له تحويل الهزيمة إلى نصر، وهذا ما يعرقل حالة السلام المنشودة أو التي يوحي بها المشهد العام في المنطقة، لا سيما الدول المحيطة بإسرائيل.
فكل طرف سيكون أمام مساءلات شعبية، فالشعب في غزة لديه أسئلة كثيرة عن جدوى المعركة وأهدافها، خاصّة أن النتيجة جاءت محبطة ولم يتم تبييض السجون الإسرائيلية من المساجين والمعتقلين الفلسطينيين، ناهيك عن شعار إعادة إحياء القضية الفلسطينية، وهل التضحيات التي قدّمها الشعب الفلسطيني في غزة (47 ألف قتيل وأكثر من 100 ألف جريح وخسائر مادية هائلة) تساوي ما ستجنيه حركة حماس من وراء الاتفاق؟
وهناك أصوات في لبنان تتساءل عن جدوى الحرب التي خاضها حزب الله، وهل أدت إلى نصرة غزة، وفي سوريا بدأت تظهر أسئلة كثيرة لا تنقلها وسائل الإعلام عن مستقبل سوريا في ظل نظام سيحكمه الإسلام الراديكالي، رغم ما يشاع عن مشاركة جميع أطياف المجتمع السوري في مستقبل سوريا، هذا المستقبل الغامض، سيّما أن أنصار نظام الأسد لن يستسلموا بسهولة. وفي الجانب الإسرائيلي أسئلة لا تقل خطورة وتعقيداً، تتعلق بالأمن، والقضاء على حركة حماس، وضحايا الحرب والخسائر البشرية والمادية، وتعطيل الحياة العامة في مدن الشمال.
هنالك أزمة حقيقية تعيشها المنطقة وتؤخر التوصّل إلى سلام دائم واستقرار سياسي واجتماعي، تتمثل في سيطرة اليمين المتطرف في الدول المذكورة، واليمين المتطرف ليس في إسرائيل فقط، إنما في سوريا ولبنان وغزّة أيضاً، فالتطرّف واحد، وهو المؤمن بالاستراتيجيات الضيقة، هناك متطرفون في إسرائيل، وآخرون في لبنان وسوريا وفلسطين، وما يجعل التطرف سلبياً ومهدداً لأي فرصة سلام، استيطانه في مذاهب وفرق عديدة ومتنوعة، لا تقيم وزناً لقيمة الوطن ولا السلام الداخلي أو التنمية وإعادة الإعمار. ونعود ونكرّر أن الأيدي الخفية التي تتحكم بالمشهد في الدول المذكورة، ليس من مصلحتها تحقيق الاستقرار بسبب أجندات ضيقة. ولهذا، فإن أي توجه سلمي لا بد أن يمرّ في مسار التخلّص من التطرّف، آفة القرن الحادي والعشرين.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق