بعد 470 يوماً من حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة ومثلها على لبنان، توقف شلال الدم وتمت صفقة تبادل الأسرى والرهائن في مرحلتها الأولى، في انتظار استكمال فصول «الصفقة»، على أمل أن تكون خاتمتها وقفاً نهائياً لإطلاق النار ومقدمة لمسار سياسي يفضي إلى سلام دائم ينتهي بإقامة الدولة الفلسطينية.
هكذا يقول منطق الأمور، لأن ما جرى خلال هذه الفترة بلغ حداً من الحروب تجاوزت فيه إسرائيل كل حدود الحروب التي عرفها العالم من توحش واستهتار بالقيم الإنسانية والأخلاقية والمواثيق الدولية، ووجدت نفسها تواجه عزلة دولية، ورأياً عاماً رافضاً لممارساتها، رغم أن نتنياهو وافق في نهاية الأمر على «صفقة» لا يريدها، وكان قد أفشلها قبل ثمانية شهور. وما فعله خلال هذه الحرب هو أقصى ما يمكن فعله حتى ولو واصلها، وإذا واصلها فلن يحقق إلا المزيد من القتل والدمار، ولن يحصل على أي رهينة حية.
لقد كانت هذه الحرب أقسى الحروب الإسرائيلية وأطولها وأكثرها دموية، ودفعت فيها إسرائيل آلاف القتلى والجرحى من الجنود والمستوطنين، وآلافاً غيرهم من المستوطنين الذين اضطروا للفرار إلى الداخل والخارج، لذلك يجب الاعتراف بأن إسرائيل لم تحقق أهداف الحرب التي بدأتها، وخصوصاً «النصر المطلق» الذي وعد به نتنياهو، كما لا يحق للمقاومة الفلسطينية الادعاء بأنها حققت النصر الذي تتحدث عنه بعد الثمن الغالي الذي دفعه الشعب الفلسطيني من أرواح زادت على خمسين ألفاً وأكثر من 150 ألف جريح، ودمار هائل طال كل أشكال الحياة، إضافة إلى مئات الآلاف من اللاجئين، لكن يحسب للشعب الفلسطيني صموده على أرضه، ورفضه كل أشكال التهجير.. لقد كان صموداً أسطورياً أفشل كل مخططات اليمين المتطرف بالعودة إلى القطاع واستيطانه.
الآن، بعد كل الذي جرى، من المفترض أن تعيد إسرائيل حساباتها وتقوم بمراجعة أسباب عملية «طوفان الأقصى» وما جرى بعدها، وأن تتعلم من دروسها، ومن أهم هذه الدروس أنها لن تستطيع أن ترهن وجودها بما تمتلك من قوة، وأنها لن تحصل على السلام، طال الزمان أو قصر، إلا بالاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير وقيام دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967، وهو شرط أساسي للقبول بوجودها، وفقاً للقرارات الأممية ذات الصلة، ولقرار القمة العربية عام 2002، وقد بدأت المطالبة بقيام الدولة الفلسطينية تأخذ زخماً دولياً واسعاً حتى في الدول الغربية المؤيدة لإسرائيل.
الآن، وبعد أن صمتت المدافع وتوقف التدمير والقتل المجنون، وبدأ الشعب الفلسطيني في غزة يستعيد دورة الحياة ويخرج من بين الأنقاض ويشعر بقيمته الآدمية، لم تعد المطالبة بالدولة الفلسطينية مجرد شعار، بل صار حقاً يستوجب التنفيذ بلا تأخير، ووفق زمن محدد، باعتباره حقاً وليس منّة، كيلا تتكرر المأساة كل حين، طالما لا يرى الشعب الفلسطيني أملاً أو كوة ضوء لا يرى من خلالها دولته المنتظرة.
قال الدكتور أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة عبر منصة (إكس): «لقد انتهت أخيراً أشهر من الموت والدمار في غزة. فلنصلّ من أجل السلام.. لقد حان الوقت لإقامة دولة فلسطينية مستقلة».
وإذا كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال إن الاتفاق في غزة «بداية سلسلة من الأمور الجديدة التي ستحدث خلال فترة ولايتي»، فالبداية تكون بقيام دولة فلسطينية مستقلة، وغير ذلك حرث في بحر، ودورات العنف والتطرف في المنطقة لن تتوقف.
0 تعليق