سياسة المقاولات - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

يبدو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في دورته الرئاسية الثانية أقرب إلى الشخصيات السينمائية المصنوعة على عجل، الميّالة إلى العبارات والتصرفات المفاجئة، ومن طبيعتها الدفع بالأحداث إلى ذُراها أو عُقدها الدرامية حتى يتصور الجميع أن النهاية وشيكة، فإذا به ينحرف بالأحداث إلى تفرعات ومسارات جانبية تطيل أمد الفيلم.
لم يأت دونالد ترامب من خلفية سينمائية، وإن كان من محبّي الحضور الدائم وإحاطة نفسه بهالات من الاهتمام ولو بالإقدام على الصدام مع كل شيء وأي شخص.
بهذه التركيبة الشخصية لرئيس دولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية، وتأسيساً على أقوال ترامب وأفعاله منذ تنصيبه في العشرين من يناير/ كانون الثاني الماضي، وبالنظر إلى اهتماماته التجارية الأصيلة، نحن أمام نوع جديد من الإدارة يمكن تسميته بسياسة المقاولات.
وهذا النوع يجمع بين نشاط ترامب الأساسي وأدائه السياسي الذي يحذر العالم كله من عواقبه، وهو نهج يعيدنا إلى ما عرفناه منذ سبعينيات القرن الماضي بسينما المقاولات التي نشأت أيضاً في فترات تيهٍ وخطر كالتي نحياها، وكانت أفلامها في معظمها هروباً مما يجري.
ترامب الذي يشغل العالم منذ أيام بتصوراته الفانتازية، كما وصفها البعض، حول مستقبل قطاع غزة، ومن ثمّ المنطقة كلها، يعود خطوة إلى الوراء بعد أن دفع بالأحداث إلى ما يشبه الذروة الدرامية، فتصورنا أن المواجهة آتية لا ريب فيها، وهو الآن لا يبدو في عجلة من أمره لتنفيذ مقترحاته، حسب قوله.
هذا التحول الحاد من موقف لآخر هو جزء من المقاولات السياسية، كما السينمائية، غير الخاضعة للمنطق، ولا العابئة بالشخصيات صاحبة الحق الأصيل في تصدر المشهد وتحريك الأحداث.
لا تتورع هذه السياسة عن المغامرة والاستعانة بكل عناصر الإثارة، سعياً إلى خطف النجومية والإيرادات، وجعل المستحيلات ممكنة بغض النظر عن أي منطق.
كان «اليوم التالي» في سيناريو غزة ما بعد الحرب يمضي في أكثر من اتجاه، غير أن الرئيس الأمريكي اقتحم الأحداث بما لم يخطر لأحد، فنسف كل الاحتمالات وجعل القطاع ملكية أمريكية، مبشراً بأن يكون «ريفييرا الشرق الأوسط».
استطاع ترامب وهو يرى نكبة غزة أن يتصور نعيمها المستقبلي المستلقي على البحر في مشهد سينمائي أراد تمريره للتغطية على مسعاه الأساسي، وهو تهجير الفلسطينيين من القطاع.
يستهين الرجل بعقول معظم أبطال الملف ومتابعيه وهو يتحايل بهذا المشهد، متصوراً أن العيون ستتبعه إلى «الريفييرا» الفلسطينية ثم تستفيق على واقع كابوسي.
في مزج مراوغ بين سينما المقاولات وسياستها، يضع ترامب غزة في قبضة الولايات المتحدة، فتفكك قنابلها غير المنفجرة الخطيرة والأسلحة الأخرى الموجودة، وتسوّي الموقع بالأرض، وتتخلص من المباني المدمرة، وتخلق تنمية اقتصادية توفر وظائف ومساكن كثيرة لسكان المنطقة.
وحتى يحدث ذلك، لا بأس أن يتفرق الغزيّون في مصر أو الأردن أو السعودية أو خارج المنطقة، حتى تنهض «الريفييرا» على أرضهم، وتكون النهاية.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق