هل نشهد انتكاسة بيئية؟ - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

قد يسهل على البعض اعتبار ما نشهده في العالم من فتور تجاه الالتزام بأهداف مكافحة التغيرات المناخية هو نتيجة لصعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى السلطة مجدداً وهو الذي يشكك أصلاً في أن هناك أزمة بيئية في العالم. أو حتى إن تيارات يمينية لا تقيم وزناً للمخاطر البيئية تصعد في الغرب عموماً. بل إن البعض قد يرى أن الشتاء هذا العام لم يكن قارساً بشدة ما يبرر التخفف قليلاً من قيود حماية البيئة ومواجهة تغير المناخ.
الواقع أن كل العوامل السابقة أقل أهمية من العامل الاقتصادي والمالي الذي دفع بعض الدول الكبرى للتخلي عن الحماس لمكافحة التغيرات المناخية، على الرغم من أن منظمات حماية البيئة بما فيها التابعة للأمم المتحدة والدراسات العلمية تشير إلى استمرار ارتفاع درجة حرارة الأرض بمعدلات متسارعة. وربما يكون العالم تجاوز بالفعل معدل الارتفاع بنقطة ونصف مئوية عن المستوى الطبيعي التي جعلت اتفاقية باريس قبل عقد من الزمن منها سقف للتغير المناخي الذي يتعين وقفه.
صحيح أن كثيراً من الدول، ومنها دول عربية وخليجية خصوصاً، بدأت مساراً جدياً نحو التحول إلى الطاقة النظيفة وتقليل الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، لكن تلك الدول لم تكن مساهمة بقدر كبير أصلاً في الأزمة التي أوصلت كوكب الأرض إلى حافة الخطر البيئي. إنما المسؤولية الأكبر في ذلك كانت على الدول الصناعية الكبرى في الغرب والصين والهند وغيرها. وبالتالي فإن التزام تلك الدول أهداف مكافحة التغيرات المناخية لن يكون تأثيره بيئياً بقدر تأثير التزام أمريكا أو أوروبا مثلاً.
مع أن الصين تستثمر بكثافة في التحول إلى الطاقة النظيفة وتعتمد سياسات لمكافحة التغيرات المناخية إلا أنها في الوقت ذاته زادت اعتمادها على الطاقة من محطات تعمل بالفحم لسد احتياجاتها المتزايدة، مع أن الانبعاثات الكربونية من الفحم أكبر بكثير عنها من استخدام النفط والغاز.
ربما عدل الرئيس الأمريكي ترامب، في سياق تمزيقه لكل ما فعله سلفه جو بايدن، من قوانين تمويل التحول إلى الطاقة النظيفة وبالتالي يشجع على زيادة استخدام النفط والغاز. لكن الحقيقة أن إنتاج أمريكا من النفط زاد بشدة في عهد بايدن حتى أصبحت أمريكا أكبر بلد منتج للنفط في العالم بأكثر من ثلاثة عشر مليون برميل يومياً. وتصدر شركات الطاقة الأمريكية الكبرى النفط والغاز لبريطانيا وأوروبا وغيرها بكثافة في العامين الأخيرين. ليست إذاً مواقف ترامب من البيئة والتغير المناخي وحدها التي تؤدي إلى انتكاسة بيئية من قبل أكبر اقتصاد في العالم.
كما أن الشركات والأعمال التي من مصلحتها التراجع عن الإجراءات الصارمة لمنع الانبعاثات لا تقتصر على شركات الطاقة الكبرى. بل هناك مثال واضح جداً حالياً وهو شركات إنتاج السيارات. فالمتابع للأخبار الاقتصادية في الآونة الأخيرة يلحظ تكرار التقارير حول شركات السيارات الكبرى في أوروبا وأمريكا الشمالية التي عادت إلى زيادة إنتاج السيارات التي تعمل بالبنزين على حساب إنتاج السيارات الكهربائية.
يرجع ذلك إلى تشبّع الطلب على السيارات الكهربائية حول العالم ما أدى إلى تراجع عائدات وأرباح تلك الشركات. ولتلبية الطلب تعمل على إنتاج السيارات التي يطلبها المستهلكون، من سيارات تعمل بالوقود أو سيارات هجينة. المثير أن الصين أصبحت رائدة إنتاج وبيع السيارات الكهربائية، ما استدعى فرض رسوم هائلة على صادراتها في أوروبا وأمريكا الشمالية.
هناك أيضاً الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة التي عانت في الآونة الأخيرة سياسات بيئية وكانت النتيجة انخفاض معدلات نمو القطاع الصناعي خاصة في اقتصادات كبرى في أوروبا وبريطانيا. وبدأت تلك الدول تخفف من القيود البيئية بما يسمح بنمو القطاع الصناعي. ليس هذا فحسب، بل إن الحرب التجارية التي أطلقتها الإدارة الأمريكية الجديدة للرئيس ترامب جعلت ما تسمى «ضريبة الكربون» ورسوم الانبعاثات على الصادرات قضية أساسية في أي مفاوضات تجارية ليس بين أمريكا وشركائها فقط ولكن بين مختلف الشركاء التجاريين حول العالم.
في ظل استمرار تباطؤ النمو الاقتصادي وسعي الحكومات المختلفة نحو تنشيط الاقتصاد يجري تعديل التشريعات والقواعد المنظمة للأعمال بهدف تحفيز النمو. ومن بينها تلك المتعلقة بحماية البيئة ومكافحة التغيرات المناخية. صحيح أن كثيراً من الدول استثمرت في مشروعات التحول في مجال الطاقة وغيرها من المجالات المرتبطة بخفض الانبعاثات. وأصبحت تلك القطاعات جزءاً مهماً من الاقتصاد تسهم في توسعه ونموه. لكن القطاعات التقليدية يظل نصيبها هو الأكبر وبالتالي تحظى بالأولوية والاهتمام من الحكومات وواضعي السياسات.
حتى إذا بدا هذا التراجع عن السياسات التي تم تبنّيها لمكافحة التغيرات المناخية وارتفاع حرارة الأرض غير كبير الآن، إلا أنه توجُّه إذا استمر وأخذ في الزيادة فإن نتائجه البيئية لن تكون بسيطة.
وليس معنى أن يأتي أحد فصول السنة معقولاً أن تركن البشرية إلى أن خطر التغيرات المناخية قل أو انتهى. فليس ضرورياً أن ننتظر حتى تحدث الكوارث كي نعمل على الوقاية منها. وكما يقول المثل: «درهم وقاية خير من قنطار علاج».

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق