عبداللطيف الزبيدي
هل أتى على المثقفين زمن أدركوا فيه سخريات الصراع بين الأصالة والتجديد؟ الفرصة مناسبة. القضية أبعد من أصالة الوقوف على الأطلال، وتجديد أبي نواس بدعوته الكاريكاتورية: «قل لمن يبكي على رسمٍ دَرَسْ.. واقفاً ما ضرّ لو كان جلسْ؟». واهمٌ من يظنّ أن المثقفين العرب، لم يصطد شصّ نباهتهم سمكة الفكرة، فذلك الصراع بين الأصالة والتجديد، احتدّ واحتدم من قبل أن يُخلق زبغنيو برجنسكي، وكتابه الذي كشف المكنون، وأهاج الشجون: «رقعة الشطرنج الكبيرة». الآن، بعد انقضاض ترامب على البيت الأبيض، يجب أن ندرك خبايا الأصالة والتجديد، كما يراها الجبابرة الذين لا يرون إمتاعاً ومؤانسةً في غير اللعب بالخرائط. حتى قيل إن الواحد منهم يولد وعلى جدران مشيمته تقسيم البلدان.
قبل الفوز وبعده، كرّر ترامب مراراً ليبذلنّ المحال في سبيل إعادة أمجاد الإمبراطورية. قال خبراء الملفوف السياسي، إن الأمجاد كناية عن فيتنام وأخواتها إلى غزّة ولبنان. وقال العارفون بكمائن الكوامن، إن حديثه عن إنهاء الحروب يعني إلى أن يرفع المعنيون بالأمر أيديهم. المسائل واضحة: الصراع في المرحلة الترامبية المقبلة، سيكون بين الأصالة كما تراها الإمبراطورية، أي عدم المساس بالنظام العالمي القديم قيد شعرة، وبين التجديد، الذي هو النظام العالمي الجديد، الذي تقوده الصين وروسيا. أمّا الهنود فهم منزلة بين المنزلتين، انضمّوا إلى بريكس ولكن قلوبهم لم تتبركس:
«إذا جئتَ فامنح طرْف عينك غيرَنا.. لكي يحسبوا أن الهوى حيث تنظرُ».
الحاجة ماسّة إلى وعي ثقافي وإعلاميّ، لتسليط نظرات أشعة اسينيّة على الأوضاع في كل الأصقاع. ما يمكن أن يساعدنا على استكشاف مرامي ترامب، المثل الفرنسي: «الأمر أروع من أن يكون حقيقة». ما ذلك السحر الذي يجعله متيّماً بالرئيس بوتين؟ لا تتصوّر أن السيد دونالد استعاد، بموسيقى الجناس والقافية، مشاهد راسبوتين في بلاط القيصر نيكولاي الثاني. لا، فحلم الناتو الوصول إلى «رأس بوتين». ما الذي يجب أن يفكر فيه العرب؟: ترامب رجل أعمال يرى الدولار هو الولايات المتحدة، بينما الكارثة في ناظره هي بريكس، أكبر كتلة ديموغرافيّاً في التاريخ، وتسونامي عملتها يتهدد مديونية خمسة وثلاثين تريليون دولار. على العالم العربي أن يفكّر مليّاً في أبعاد المقايضة مع بوتين إذا طافت بدماغ ترامب، وطرحها في خلوة مناجاة مع صاحب الكرملين.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستشرافية: يبدو أن ترامب سيتخلى عن أوروبا. مقابل ماذا؟ حزّر وتحسّر.
[email protected]
0 تعليق