بينما تتواصل المجازر الإسرائيلية وحرب الإبادة في قطاع غزة، يكتسب مقترح أمريكي لوقف إطلاق النار في الجبهة الشمالية مع لبنان زخماً متزايداً، مع تفاؤل حذر باحتمال إبرام هدنة لشهرين، لكنها لا تحمل في طياتها أي مؤشر على إنهاء دائم للتصعيد، وربما لن يُكتب لها النجاح أصلاً مادام سفك الدماء والتدمير مستمرين في قطاع غزة. فالمأساة التي سببها العدوان الإسرائيلي هناك، هي أصل كل هذا التوتر، وأي مبادرة لا تعمل على إنهاء الحرب في غزة، ليس لها أي حظ في استعادة التهدئة إلى المنطقة.
إذا تم إبرام هدنة لشهرين في جنوب لبنان، يعني أنها ستنتهي بالتزامن مع تسلم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب سلطة البيت الأبيض في العشرين من يناير المقبل، وربما تكون محاولةً في الوقت الضائع للإدارة الديمقراطية برئاسة جو بايدن، كما لا يخفى أنها حاجة إسرائيلية أيضاً، بعد أن أيقنت حكومة بنيامين نتنياهو أن مهمة في لبنان صعبة وقاسية وطويلة وفادحة الخسائر، فالهدف المعلن بإعادة سكان شمال إسرائيل لم يتحقق إلى الآن، وعمليات التوغل والاحتكاك البري مع مقاتلي «حزب الله» كانت مكلفة.
ففي نحو شهر كانت خسائر الجيش الإسرائيلي 1200 قتيل وجريح من ضباط وجنود، فيما تشير تقارير من تل أبيب إلى أن الخسائر أكبر من ذلك بكثير، فضلاً عن حالة التدهور الأمني المتفاقمة جراء هجمات المسيّرات والصواريخ على معظم المناطق الإسرائيلية، خصوصاً في الجليل وتل أبيب وحيفا.
وبالمقابل فإن التوصل إلى هدنة وإنهاء الحرب، هي حاجة لبنانية أيضاً، فتعثر محاولات إسرائيل للتوغل البري، لم يمنع طيرانها من شن هجمات همجية دمرت عشرات القرى في الجنوب والبقاع ومناطق في الضاحية الجنوبية لبيروت، ورسمت مشهداً مأساوياً لتهجير مئات الآلاف من المدنيين اللبنانيين، وخلق صعوبات معيشية واجتماعية ربما لم يعرفها لبنان في جولات العدوان الإسرائيلية في العقود الماضية.
قد تكون اللحظة الآن مناسبة للتوصل إلى هدنة في لبنان، لكن الجانب الإسرائيلي، وخصوصاً مع حكومة المتطرفين بقيادة نتنياهو، يبقى غير مأمون الجانب ولا موثوقاً به، فربما يريدها هدنة تكتيكية لا إنهاء شاملاً للحرب، كما أن هذه الهدنة المفترضة لا معنى لها دون التوصل إلى وقف شامل للعدوان على غزة، التي كانت شرارة كل هذا التصعيد في المنطقة، بسبب حرب الإبادة والتجويع والتهجير وتصفية المنظمات الإنسانية والأممية، وفي صدارتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا».
وبقدر ما الهدنة مطلوبة في لبنان، فإنها مُلحّة وضرورية في غزة، وتحقيق هذا الهدف مرهون بقدرة الآلة الدبلوماسية التي تقاعست وتخاذلت بما يكفي، ومنحت إسرائيل المجال لترتكب من الجرائم والانتهاكات، ما لم تفعله أي قوة غاشمة في ما مضى من حروب وصراعات.
والكرة تبقى دائماً في ملعب مجلس الأمن الدولي، الذي سيجتمع غداً الاثنين، ويقف أمام اختبار جديد، وليته ينتصر لكرامته وسمعته مرة وحيدة، ويفرض وقف العدوان على غزة ولبنان، وينقذ منطقة الشرق الأوسط من حرب طويلة ومدمرة لن ينتصر فيه أحد.
0 تعليق