اشتغل الشاعر الإماراتي عادل خزام على الكتاب الجديد «مانسيرة» على طريقة شغل النمل، عمل الخلية الواحدة التي تتمثل في اشتغاله الدقيق والمرتّب من دون مبالغات في حجم الكتاب الذي جمع فيه نصوصاً ل 86 شاعراً من العالم من 50 بلداً من الشرق والغرب.
ولا أظن أن ثلاثة أرباع هذا القرن المقبلة ستختلف كثيراً عمّا هي عليه اليوم، ولذلك، فلا حاجة للمبالغة، ويكفي حوالي 220 صفحة من القطع فوق المتوسط لهذه الكتابة الشعرية الجماعية الأولى من نوعها من حيث الفكرة والرؤية والكتابة في حدّ ذاتها، فهي كتابة شعرية حرّة لا ترتهن أبداً لإيديولوجيا أو فكر سياسي أو جهوي، بل الشعر فقط هو سيد هذه التجربة التي نحن في حاجة إليها في هذا القرن الذي حمل الكثير من الموروث السيئ السمعة للقرن العشرين.
رأى عادل خزام أن الشعر بهذه الوحدة الكونية يمكن أن يهز كتفيّ العالم ورموزه المتسلّطة، ويقول له: انتبه أيها العالم لما ينتظرك، وثق بالشعر لأنه روح وعقل وحكمة. ورأى أيضاً صاحب فكرة الكتاب أن قصيدة واحدة حتى لو كانت في الهواء الطلق لا تكفي لتنفس طبيعي ونظيف وسط بيئات الشر والتطرّف الأعمى وثقافة الموت السوداء على الرغم من التناقض المكشوف بين المعنى الإنساني الجميل لكلمة ثقافة، والمعنى المرضي الحزين لكلمة موت.
الملحمة الشعرية الإنسانية الكبرى للقرن ال 21 جاءت تحت اسم مركب له دلالته الفكرية والعالمية. «مان» بالإنجليزية (الإنسان)، جرى دمجها في الكلمة العربية «سيرة»، والملحمة بهذا التركيب المقصود تعني أو ربما تعني «سيرة إنسانية» للعالم، غير أن الشعراء في هذا الكتاب لم يكتبوا نصوصاً تتحدث عن سيرهم الذاتية، بل كتبوا شعراً أو نصوصاً مفتوحة على الحياة، والوجود، والفكر، والإنسان، من دون أن يقوم عادل خزام بتوجيه الشاعر إلى ما يتوجب عليه أن يكتب.
من حسن حظ كاتب هذه السطور أن طُلِبَ منه المشاركة في هذه الملحمية الجماعية، وإذ يأخذ الشاعر بالبحث عمّا كتبه بين هذه المدوّنات الشعرية المتشابكة فإنه ليس من السهولة أن يجد نصّه بسرعة في هذه الفيوض والتداعيات والصداقات الرمزية وحتى الواقعية، فلقد ذابت الكتابة في الكتابة، وذاب النصّ في النصّ، وما عاد ما كتبته هو لك، بل هو لستة وثمانين شاعراً وشاعرة سوف يرتبطون معاً بقرابة الحبر والدم أيضاً.
«مانسيرة» كتاب لشعراء العالم، ولا أحد بوسعه أن يدّعي ملكيته أو استحواذه. إنه كتاب احتوائي يجعل من الشعر لغة تعريفية بقرننا هذا، وبسكان هذا القرن إذا كان من الممكن للإنسان أن يسكن أو يقيم في الزمن، تماماً مثلما يقيم في المكان.
أقرأ ما كتبته في «مانسيرة» وكأنني لست من كتب النصّ، بل هناك شاعر آخر كتب كتابتي، أو كتب كتابي الذي هو كتاب العالم، أو سيرة العالم.
[email protected]
0 تعليق