الولاء والانتماء.. مقاربة جديدة - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عبدالله السويجي

ونحن نقترب من عيد الاتحاد لدولة الإمارات العربية المتحدة، نبدأ في شحن مشاعرنا ولغتنا وأفكارنا لنعبّر بصورة لائقة وأسلوب رفيع عن هذه المناسبة المفصلية في تاريخ شعب الإمارات والمنطقة الخليجية والعربية، التي هي من دون أدنى شك مناسبة مهمة للعديد من دول العالم الصديقة.
أمّا وقد اعتدنا على أن نكون مبتكرين ومجدّدين في كل تفاصيل حياتنا، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فعلينا مواصلة هذا الموقف الابتكاري عاطفياً وفكرياً وفلسفياً، وأن نحاول إعطاء المفردة التي نكررها، إن لم نستطع استحداث مفردات جديدة، أن نعطي المفردة المتداولة، والمصطلحات المتعارف عليها بعداً جديداً يتناسب وأهمية المناسبة ورقيّها، أي أن ننطلق بكل قوتنا خارج الصندوق، ونكون مثل فكرة الاتحاد، التي تأسست عليها الدولة، فكرة متوهّجة متألّقة متجدّدة، لأن الاتحاد، كمعنى ومبنى، وفكرة ومبدأ، واستراتيجية ورؤية، إن لم نحتضنه بأرواحنا ونجبله بها ونطير به إلى المعاني الأسمى والأجمل، سيتعرض للخمول، والمسؤولون عن هذا التشظّي والتوالد الفكري والمعرفي هم نحن، أي المكوّنات الفكرية والاجتماعية والوطنية، ولا أتحدث هنا عن القادة، لأنهم يعرفون تماماً خططهم ومشاريعهم واللغة التي تحمل هذه الخطط والمشاريع والإنجازات المستقبلية.
من المفردات التي يكثر استخدامها في المناسبات الوطنية خاصة في مناسبة عيد الاتحاد للدولة مفردتان عزيزتان جميلتان هما: الولاء والانتماء، وهما مفردتان تحملان معاني لا نهائية من النظريات والعمل، ولو جلسنا وأجرينا عصف أفكار لهاتين المفردتين، لحصلنا على مقالات وقصائد وبيانات كثيرة جداً، من هنا سنجتهد ونقول إن الولاء في المفهوم العام المباشر يكون للقيادة، والانتماء في المفهوم ذاته يكون للوطن، ولكن ماذا يعني الولاء؟ هل هو المبايعة والطاعة أم الإعجاب والانبهار، والفخر والافتخار، أم الولاء لفكر القائد الوطني، الذي من دون أدنى شك، يتعلق بالوطن، حاضره ومستقبله.
وهل، في هذا السياق يكون القائد هو الوطن؟ في الوقع، وبالإجابة عن التساؤل الأخير نقول إن القائد هو الوطن بكل ما يحمله من آمال وتطلعات وطموحات، والولاء للقائد هو الإيمان بما يؤمن به وباستراتيجيته الوطنية، ويحمل الإيمان هنا الفهم العميق والدقيق للفكر القيادي، حتى يتم التناغم اللغوي بين الشعب والقائد، والولاء ليس للمادة وإنما للروح، والقائد بهذا المعنى هو روح الوطن، الذي، أي القائد، يجب أن نحافظ على هالته العالية والراقية، وهنا يكون الولاء للقائد كرمز للوطن. وحين نؤمن بالمعاني السابقة يكون ولاؤنا أصدق وأكثر وأجمل.
أما الانتماء فهو للوطن، والوطن عبارة عن تاريخ وجغرافيا وحضارة، والحضارة تحمل الثقافة والعادات والتقاليد والأعراف، والانتماء لهذا كله يدعونا إلى القراءة، قراءة التاريخ بشكل جيد، أي التاريخ المتعلّق بالوطن، وعلى رأسه المؤسسون والبناة الأوائل أصحاب الأفكار الريادية، إضافة إلى قصص البناء في كل مجالات الحياة، ابتداء من رحلات الغوص حتى الرحلة نحو الفضاء، وكذلك قراءة الجغرافيا بكل ما تحمل من معان مادية ومعنوية. فالوطن يبدأ من أول تحية صباحية لهوائه ولون سمائه إلى أول صوت من أصوات المصانع، إلى التضاريس البرية والبحرية والجوية للوطن، حيث الرؤية الإيجابية والإحساس بالشكر والعرفان لله وللبنّائين والمؤسسين وكل من وضع حجراً في هذا الصرح الشامخ، وكل الوطن صرح شامخ.
الانتماء للوطن مسؤولية كبيرة وخطرة ودقيقة، يؤديه المهندس والمدرس والطبيب والعالم والعامل والإعلامي والأديب وكل المهن وكل إنسان يتنفّس هواء هذا الوطن، الانتماء يعني العمل المتواصل، كلّ في مجاله من أجل صيانة الإنجاز وإضافة إنجازات أخرى أكثر تطوراً وحداثة، وإنني وبصدق أرى نسبة كبيرة من الانتماء تترجم على أرض الواقع قادت إلى وطن نتباهى به أمام الأمم.
وبما أننا نتحلّى بالولاء والانتماء للقيادة والوطن، أود، وبصورة شخصية، كاجتهاد شخصي أيضاً، ناتج عن المتابعة للحركة الثقافية في الإمارات، أن أشير إلى إخلاص الطبقة المثقّفة والمبدعة لهذا الوطن، من خلال كتاباتهم، وأقول إنه مجرّد ممارسة الكتابة هي عملية تعكس ولاءً وانتماء، ولكنّني وددت، لو نظّم المثقفون والمبدعون جلسات عصف ذهني، أسوة بالاجتماعات الاستثنائية الحكومية، ووضعوا برامج وخطط واستراتيجيات مبتكرة لتطوير الحركة الثقافية، ومنها حركة النشر والطباعة والتوزيع، وودت لو نظّم المبدعون، الشعراء والقصاصون والروائيون جلسات عصف أفكار استعداداً لعيد الاتحاد، لإنتاج ما يليق بتجربة الاتحاد الإماراتي وإنجازاته، ويقدّمون مفردات ومعاني مبتكرة وأفكاراً خارج الصندوق، ذات صلة بالأشكال الإبداعية.
ووددت أيضاً لو اجتمع الفنانون التشكيليون وعصفوا أفكارهم وقدّموا رؤى جديدة ومبتكرة للاحتفال بعيد الاتحاد للإمارات العربية المتحدة، إذ لا يكفي أن ننظم أمسيات شعرية ومعارض تشكيلية وندوات معروفة في طرحها ومضامينها، والمطلوب صناعة الدهشة في التجربة التي أدهشت العالم ولا تزال، وأتداعى بالقول: ألا تستحق تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة رواية عظيمة، أو ملحمة شعرية، أو جدارية فنية بحجم ضخم تعكس روح الاتحاد؟ ربما يفاجئنا الأدباء والفنانون بأعمال جديدة، لكن حتى الآن لم يعلن أحد عن مشروع جديد، وإلى ذلك الحين سنبقى نمارس الولاء والانتماء كأسلوب حياة، وبشفافية وصدق كبيرين، لتبقى الإمارات منارة للمستقبل.

[email protected]

أخبار ذات صلة

0 تعليق