يونس السيد
فاقمت مبادرة المستشار الألماني أولاف شولتس الاتصال بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين المخاوف الأوروبية من انهيار الجدار الأوروبي حول أوكرانيا مع عودة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، التي باتت تنذر بمتغيرات جدية تجاه هذه الأزمة المستمرة منذ أكثر من عامين والتي لا تزال تهدد الاستقرار العالمي.
خطوة شولتس في هذا الاتجاه تمثل نوعاً من الإنذار المبكر لإمكانية خرق الجدار الأوروبي الذي بني على أساس عزل روسيا وإضعافها وفرض عقوبات عليها، وتقديم كل وسائل الدعم العسكري واللوجستي والسياسي لأوكرانيا باعتبارها تقاتل نيابة عن الغرب بأكمله.
وهي بهذا المعنى تمثل استشعاراً لما ستؤول إليه الأمور في عهد إدارة ترامب الجديدة، الذي أعلن مراراً إبان حملته الانتخابية نيته إنهاء هذه الحرب وغيرها من بؤر الصراع المتفجرة في العالم. إذ إن ترامب ينطلق في توجهه لإيجاد تسوية لهذه الأزمة من أنها مشكلة أوروبية بالدرجة الأولى، وأن لا مصلحة أمريكية في تقديم مليارات الدولارات والأسلحة وغيرها من المساعدات على حساب الخزينة ودافع الضرائب الأمريكي، الأمر الذي يتناقض مع ما يرفعه من شعارات على غرار «أمريكا أولاً» وإعادة «أمريكا العظيمة».
وبالتالي فإن شولتس الذي يراهن على إقامة علاقات وثيقة مع إدارة ترامب ولو بمعزل عن مواقف القارة الأوروبية، إنما يتخذ خطوة استباقية لإمكانية حدوث أي تفاهم روسي أمريكي بدأت ملامحه تظهر على السطح، مع انكشاف الاتصالات التي كان يجريها الملياردير الأمريكي إيلون ماسك الذي تسلم منصباً وزارياً في إدارة ترامب، مع موسكو ومع بوتين بالذات، ومع ما هو متوقع من عودة الاتصال المباشر بين ترامب وبوتين.
وبالتالي فإن مجريات هذه السياسة الجديدة من شأنها أن تغير الكثير إزاء الدعم الأمريكي لأوكرانيا في وقت تبدو أوروبا المنقسمة أصلاً عاجزة لوحدها عن الاستمرار في تقديم هذا الدعم إلى ما لا نهاية.
وعلى هذه الخلفية يمكن فهم المخاوف الأوروبية، ومن هنا يمكن أيضاً فهم عودة الاتصالات الألمانية مع موسكو، بما في ذلك مواصلة الاتصال بين مسؤولي الطرفين، بعد انقطاع دام لأكثر من عامين. إذ لا حاجة للاتصال بين شولتس وبوتين إذا كان الهدف منه هو المصارحة فقط، خصوصاً أن المواقف الروسية في هذا المجال معروفه للجميع، ولا يبدو أن موسكو تراجعت عن مطالبها المعروفة منذ ما قبل اندلاع الأزمة، خصوصاً على صعيد أخذ مصالحها الحيوية في الاعتبار وإعادة صياغة الأمن الأوروبي بما يضمن مصالح الجميع.
أما إذا كان الهدف هو دعوة موسكو للحوار مع أوكرانيا، فإنها تعتبر أن المشكلة لدى كييف، وأنها جاهزة للتفاوض معها إذا تخلت عن الانضمام ل «الناتو» واعترفت بالوقائع الجديدة على الأرض، وهو ما لا يبدو أن موسكو ستتخلى عنه في المرحلة المقبلة، إلا إذا كانت هناك «صفقات» أخرى تلبي مصالحها الحيوية.
0 تعليق