وليد عثمان
نفدت حقيبة الأوروبيين من الكلام الجدير بوصف ما يجري في الشرق الأوسط، والمقصود هنا، على وجه التحديد، ما تعيشه غزة ولبنان.
وهذا الاعتراف جاء على لسان جوزيب بوريل، ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وهو إقرار حمّال أوجه، ففيه تعبير عن تخطي الأوضاع في لبنان وغزة كل السيناريوهات المتوقعة أو المرسومة مسبقاً، ووصولنا إلى مرحلة انفلات تنذر بالفوضى ما لم يلجمها اتفاق يبدو بعيداً رغم كل بوادر التفاؤل التي تلوح بين وقت وآخر.
وفي اعتراف جوزيب بوريل أيضاً ما يشي باندفاع أوروبي معتاد وقديم وراء السياسات الأمريكية، وهو أمر ملموس في أوكرانيا وغزة وتبعاتها، وغالباً ما ينتهي بأسفٍ، أو الإقرار بسوء التقدير..
لم يقل بوريل ما يعني هذا، لكن يمكن استشفافه من كلامه المعبّر عن استفاقة ما قبل الرحيل من منصبه الشهر المقبل، بل إنه أعلن أنه سيدعو وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي إلى تعليق الحوار السياسي المنصوص عليه في اتفاق الشراكة بين الاتحاد وإسرائيل.
ولعل المسؤول الأوروبي يحاول التخفف من عبء ملف الشرق الأوسط الإنساني، رغم أنه يعلم أن دولاً كبرى في الاتحاد، خاصة ألمانيا وهولندا وفرنسا وإيطاليا، لن تسمح بتمرير فكرة تعليق الحوار مع إسرائيل، وهذا ماحدث.
شعر الرجل في آخر اجتماع مع وزراء خارجية دول الاتحاد بعدم الجدوى من الحديث عن وقائع الشرق الأوسط، معلناً استنفاد كل حصيلته من الكلام لشرحها، في محاولة لإقناع نفسه على الأقل أنه، بشكل شخصي، بذل ما يكفي من جهد في هذا الملف، وأن النتائج تتحملها دول التكتل.
وألقى ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي بعض عبئه الإنساني على وزرائه، وهو يذكّرهم وغيرهم بسقوط نحو 44 ألف قتيل في غزة، وأن 70% منهم نساء وأطفال هم في غالب الأحيان دون التاسعة من العمر.
في ملف أوكرانيا لم يعدم ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كلاماً يقوله، كما هي حاله مع أوضاع الشرق الأوسط، لكنه غلّف مطلبه الأخير، أو وصيته، من وزراء خارجية الاتحاد، بإحباط مما اعتبره فُرقة أوروبية في أحيان كثيرة بشأن الملف الأوكراني.
وشكا جوزيب بوريل من استغراق المحادثات وقتاً أطول مما ينبغي في أحيان كثيرة، مطالباً زملاءه في آخر اجتماع معهم بأن يظهروا «المزيد من وحدة الصف ويتخذوا قرارات بصورة أسرع».
وفي تصريحات بوريل في الملف الأوكراني، مرة أخرى، ما يمكن اعتباره تأنيباً للدول التي يمثلها، من غير أن يقول ذلك، بالدوران الدائم في الفلك الأمريكي بشأن القضايا الكبرى، خاصة التي تمس مصالح أوروبا مباشرة. وربما يكون في ذلك ما يدعو إلى تبديل هذا الاتجاه مع قرب عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، خاصة حين نقرأ وصية بوريل الأخيرة: «لا يمكنكم أن تدّعوا أنكم قوة جيوسياسية إن كنتم تقضون أياماً وأسابيع وأشهراً للتوصل إلى اتفاق والتحرك».
0 تعليق