نبيل سالم
ما أُعلن مؤخراً عن نية بنيامين نتنياهو طرح قضية ضم الضفة الغربية مع الإدارة الأمريكية الجديدة، والحديث عن دعم محتمل لهذه الخطوة من الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، أمر يبدو في غاية الخطورة، وذلك بسبب ما تعنيه هذه الخطوة للمنطقة بأسرها، وتأثيراتها على مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ناهيك عن أنها تشكل مخالفة كبيرة للقانون الدولي في التعامل مع الأراضي المحتلة.
واللافت أن ذلك يأتي في أعقاب تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، حول إعطاء تعليماته للبدء بإعداد البنية التحتية اللازمة لتطبيق «السيادة» على الضفة الغربية، وأن عام 2025 سيكون عام السيادة على «يهودا والسامرة» وهو الاسم الذي تطلقه إسرائيل على الضفة الغربية.
ولم تمضِ إلا ساعات قليلة على تصريحات سموترتش حتى نُقل عن نتنياهو أنه يعتزم طرح قضية ضم الضفة الغربية على جدول أعمال حكومته عند تسلم ترامب مهامه في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، فيما نُقل عن مقربن من نتنياهو قولهم إن خطط ضم الضفة الغربية لإسرائيل موجودة بالفعل، وعملت عليها إسرائيل منذ عام 2020 خلال الولاية الرئاسية الأولى لترامب.
والحقيقة أن الخطط الإسرائيلية لضم الضفة الغربية ليست جديدة، وإنما تعود لعام 1967، فرغم أن احتلالها للضفة الغربية غير قانوني، فقد دعا بعض الساسة الإسرائيليين إلى ضم الضفة الغربيية أو أجزاء منها بعد الاحتلال الإسرائيلي مباشرة، كما هو الحال بالنسبة لمشروع إيغال آلون الذي كان وزيراً للعمل في حكومة ليفي إشكول، حيث دعا هذا المشروع تحت عنوان «مستقبل المناطق (الفلسطينية) وطرق معالجة مسألة اللاجئين»، إلى إقامة حدود آمنية لإسرائيل بينها وبين الأردن، وتحقيق ما أسماه «الحق التاريخي» للشعب الإسرائيلي في «أرض إسرائيل»، على حد تعبيره.
وحدد المشروع منطقة غور الأردن، وحتى المنحدرات الشرقية لجبال نابلس وجنين، لتبقى تحت السيادة الإسرائيلية، وهكذا أيضاً بالنسبة لمنطقة القدس وضواحيها ومنطقة الخليل، أما بقية أراضي الضفة الغربية فتعاد حسب المقترح إلى السلطة الأردنية مع فصل تام بينها، وإقامة معبر بين هذه الأراضي وبين الأردن بواسطة لسان في ضواحي مدينة أريحا. أما الأجزاء الأخرى من مشروع ألون فتطرقت إلى ضم قطاع غزة بأكمله إلى إسرائيل وتوطين اللاجئين خارج القطاع، وهو ما يجري ترجمته على الأرض حالياً.
ومع أن مشروع آلون لاقى معارضة شديدة من قبل قطاعات سياسية واسعة، إلا أنه بعد وصول حزب الليكود إلى السلطة في «إسرائيل» تماهى كثيراً مع مشروع آلون، ولا سيما في ما يتعلق بضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وبالفعل كانت القدس الشرقية أول منطقة تضم إلى «إسرائيل» فعلياً في إطار ما سمي بقانون القدس الذي صدر في 30 يوليو/ تموز 1980، والذي رفضه مجلس الأمن الدولي في قراره رقم 478، زد على ذلك الإزدياد الكبير في عدد المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية ولاسيما بعد اتفاق أوسلو الذي تم توقيعه بين منظمة التحرير الفلسطينية، و«إسرائيل» عام 1993 ليكون أساساً لتسوية سياسية للصراع بين الجانبين.
ولفهم الخطورة التي يمثلها ضم الضفة الغربية لابد لنا أولاً من فهم المعاني السياسية والقانونية للضم، وما سيتركه من أثر على على المسار السياسي للقضية الفلسطينية برمتها.
ففرض القانون الإسرائيلي على مستوطني الضفة يعني خضوعهم للقوانين المدنية الإسرائيلية، وهذا مخالف للقوانين الدولية كون المستوطنات تقع في أرض محتلة، كما أن الضم سيضع الشعب الفلسطيني في مواجهة خيارات قاسية، حيث سيسقط ضم الضفة كل الفرص المأمولة لحل الدولتين، وبالتالي ينهي تماماً أي حل سلمي للصراع، لا سيما في حال مساندة الإدارة الأمريكية الجديدة للسياسة العدوانية التوسعية، وهو أمر عبّر عنه ترامب حتى قبل نجاحه في الانتخابات الأخيرة عندما دعا صراحة إلى توسيع حدود «إسرائيل» الأمر الذي يحمل في طياته خطراً كبيراً، ويتجاوز فكرة استمالة أصوات اليهود الأمريكيين واللوبي الصهيوني.
وبحسب الكثير من المراقبين فإن الخطوة الإسرائيلية المحتملة بشأن ضم الضفة الغربية ستغير بشكل دراماتيكي المشهد السياسي خاصة مع وجود خطوات سابقة في هذا الاتجاه مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس لإرضاء اللوبي اليهودي، وكذلك الاعتراف بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان السورية المحتلة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو وسعت عمليات مصادرة الأراضي الفلسطينية في الضفة بشكل استباقي لخطة الضم التي تزمع القيام بها، وقامت بإنشاء مشاريع لجذب المزيد من المستوطنين إلى المنطقة، حيث رصدت منظمات حقوقية فلسطينية ودولية مصادرة إسرائيل ل24 ألف دونم من أراضي الضفة خلال 2024 وحده.
وبحسب المصادر الإسرائيلية فإن خطة الضم كانت جاهزة للتنفيذ، في عام 2020، وتم إعداد الخرائط والتعليمات واللوائح وحتى صياغة القرار الحكومي النهائي بهذا الشأن أخيراً، يمكن القول إن الخطة الإسرائيلية الجديدة لن تعرقل أي محاولة لتسوية الصراع سلمياً وحسب وإنما ستقود إلى إشعال حروب جديدة دونها الحرب الدائرة حالياً في المنطقة.
0 تعليق