في كثير من الأحيان، يتبدّى أن تصريحات مَنْ يوصفون بقياديين في حركة «حماس» منفصلة عن الواقع المأساوي الذي تمر به القضية الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وتتعامي عن النتائج التي تزداد كارثية، على الأقل في غزة التي يكفي حالها الآن للحكم على تبعات «طوفان الأقصى»، في انتظار أن تكتمل المأساة بلبنان، وتمتد إلى غيرها.
غريب أن يشعر واحد من أولئك القياديين في الحركة بما يسميه الخذلان من الأمتين العربية والإسلامية، والأغرب أن يعبّـر عن ذلك في تصريحات تلفزيونية، قافزاً فوق الحقائق الجلية، ومنكراً لمسؤولية المتسبّب في دورة العنف التي لا أفق لها.
على طريقة الجماعة الأم التي خرجت «حماس» من رحمها، يجيد قياديوها ليّ الحقائق، وقلب الوقائع، وليس مستبعداً أن تتكرر تصريحات بعضهم اللائمة للجميع غير اللوّامة للنفس، ترسيخاً لنهج التهرب من تحمل المسؤولية، والمساءلة.
سبق للحركة أن شكرت دولة بعينها في المنطقة مراراً على ما اعتبرته نصرة للقضية، وتكرّر ذلك بينما مأساة غزة مشتعلة، ففي ذكرى مرور عام على بدء الحرب فيها فعل ذلك خالد مشعل في خطاب متلفز. أما الآن، وقد أُبيد القطاع فتصدّر الحركة شعورها المزعوم بالخذلان من الأمتين العربية والإسلامية اللتين كانت تختصرهما وقت التبشير بالنصر في «محور المقاومة»، بينما توسع دائرة الاتهام حين تستشعر الهزيمة.
ورغم أن أغلبية المراقبين لمشهد غزة لا تزال تؤجل أسئلتها لحركة «حماس» بشأن ما بدأ في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 حتى تتوقف الحرب، رحمةً بضحاياها، فإن هذه التصريحات يمكن أن تستفز بعضاً من هذه الأسئلة.
يمكن ببساطة الرد على مثل هذه الأقوال بسؤال مثل: وأين كانت الأمتان العربية والإسلامية على اتساعهما من قرار الطوفان الذي لم يُبقِ شيئاً في غزة؟
مفهوم ومقدّر أن يشعر فلسطينيون في قطاع غزة أو غيره ببعض الغضب من أشقائهم العرب والمسلمين، فالمعاناة المتواصلة منذ نحو أربعة عشر شهراً تبرر ذلك.
ويمكن قبول القول إن ما يصل القطاع من مساعدات الإغاثة من دول عربية يخفف المعاناة لكنه لا ينهيها ولا يقضي على مشاهد التشريد والجوع والموت، لكن أن تدعي «حماس» الشعور بالخذلان هو، مرة أخرى، قفز فوق ما تسبّبت فيه، وإلقاء للتهمة على غيرها.
من المخذول: الحركة، أم الفلسطينيون في غزة الذين قامرت بأرواحهم ومقدراتهم؟ هل هو مَن سعى من العرب جاهداً في غير محفل لوقف الحرب وحقن دماء الفلسطينيين، أم من استكبر أو خُدع بوعود الإسناد والنصرة ولا يزال ينكر تبعات المغامرة؟
إن استمرار إدارة الأمور بهذه الآنية في التفكير والأنانية في التعامل مع الواقع الخطِر، تزداد معه الخشية على مصائر الفلسطينيين في غزة الذين ينتظرون عملاً جاداً من كل الأطراف، وأولهم من أشعل الحرب، لوقفها، بدلاً من التنصل من المسؤولية.
0 تعليق