ليس هناك ما يدفع الخشية الحقيقية من اندلاع حرب عالمية ثالثة إلا إذا ثبت العكس وأظهرت القوى الكبرى جدارتها بالمسؤولية عن الأمن والسلم الدوليين وحفظ مستقبل البشرية من تهديدات مرعبة لا تطاق. فقد شهدت الأيام القليلة الماضية مؤشرات خطِرة بعد سماح الولايات المتحدة لأوكرانيا بضرب العمق الروسي بصواريخ بعيدة المدى، وردّ موسكو على هذا التطور بصاروخ متعدد الرؤوس يتم استخدامه للمرة الأولى.
الصاروخ الروسي المفاجئ، أثار الجدل والمخاوف والتساؤلات، وربما دشن مرحلة غير مسبوقة من الاستفزازات المتبادلة بين موسكو وخصومها الغربيين، وقد تشهد استخدام أسلحة أشد فتكاً ولا يعرفها العالم مثل هذا الصاروخ «أوريشنيك» (شجرة البندق)، الذي سجّل تصعيداً نوعياً في الصراع الدائر في أوكرانيا، وكان أشبه بجرس إنذار فعليّ ينبه إلى أن الوضع يتجه إلى الأسوأ، وأن موسكو مستعدة لاستخدام مثل هذه الأسلحة الخارقة خارج ميدان ما تسميه مسرح العملية العسكرية الخاصة، وهو ما أشار إليه المسؤولون الروس بصراحة تامة، من خلال تأكيديهم أنهم جاهزون لتوسيع دائرة الحرب إلى أوروبا وكل الدول التي تمدّ كييف بأسلحة متطورة. وبالمقابل فإن الأطراف الغربية، يبدو أنها تلقت الرسالة على محمل الجدّ، وحذر قادة وزعماء من أن الصراع دخل مرحلة حاسمة، وبدأ يأخذ أبعاداً مثيرة للغاية، بينما قرر حلف شمال الأطلسي «الناتو» عقد اجتماع طارئ، الثلاثاء المقبل؛ للنظر في التداعيات المحتملة. ومثلما أثارت الضربة الصاروخية الروسية القلق والمخاوف، عمّقت الانقسام داخل المعسكر الغربي، بين مؤيد لتكثيف الدعم لأوكرانيا والإمعان في استفزاز روسيا، وبين داعٍ إلى تفادي التصعيد والتدبر في العواقب المحتملة لأي خطأ قد يقود العلاقة المتوترة إلى حرب شاملة ستتدحرج بسرعة إلى حرب نووية.
قبل أقل من ثلاث سنوات على اندلاع الحرب في أوكرانيا، باتت الكفة العسكرية راجحة إلى الجانب الروسي، فقد أصبحت قواته تحقق انتصارات يومية، بينما تعيش كييف هزيمة غير معلنة مع تقهقر قواتها وتكبدها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد مع وجود حالة من عدم اليقين حيال استمرار الدعم الغربي وفق النسق الذي كان منذ بداية الصراع. والأقرب إلى الظن أن الضربة الروسية لمدينة دينبرو لم تكن بسبب تراجع قواتها وفقدانها مكاسب ميدانية، وإنما هي استهداف لبعض الدوائر الغربية والأمريكية التي باتت تخشى من سياسة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، بعدما سبق أن تعهد بوقف دعم أوكرانيا وتوفير الحماية لأوروبا وربما الإضرار بحلف «الناتو»، ولإحباط هذه التعهدات، ربما تخطط هذه الدوائر لارتكاب خطأ لا يمكن إصلاحه مع روسيا، ويقطع الطريق على ترامب، ويجبره على مواصلة السياسة ذاتها التي ينتهجها سلفه جو بايدن، باعتبارها تعبّر عن مصلحة غربية عليا بإلحاق هزيمة بروسيا، وهو ما لم يتحقق إلى الآن.
مثل هذه المخططات من شأنها أن توقظ الشياطين وتجرّ العالم إلى محرقة نووية حقيقية. وفي ضوء ما يجري من استعراض للقوة وما يرافقها من تهديدات واستفزازات، فإن المخاطر القائمة لا يمكن الاستهانة بها؛ لأن درجة التباغض باتت عالية في العلاقات الدولية، وما لم يستعدْ صناع القرار وعيهم ويسارعوا إلى انتهاج سياسات جديدة تغير المسار فإن الصدام سيكون حتمياً، والعد التنازلي للحرب النووية قد بدأ بالفعل.
0 تعليق