فتاة طموحة، عشقت الكتب والقراءة، درست بجدّ، ولم تهمل شغفها بالعلم والاستزادة، جعلها هذا الحب تعيش حياتها الخاصة، في مكتبتها في غرفتها، مكتبة ضمّت الكثير من الكتب والأفكار والقصص، وأتساءل كيف كانت ترى العالم خلف تلك الأغلفة والمجلّدات والحكايات.
ميرة فتاة مجتهدة كانت مثالاً في بيتها، البنت البكر التي اجتهدت ودرست الطب وأصبحت طبيبة في أحد مستشفيات الدولة. ولم تعرف أن رحلة حياتها قصيرة، لكن كلماتها لأمها، وأهلها المقرّبين كانت رسالة تقولها من دون أن تعرف أنها تخبرهم فصلاً أخيراً من قصة حياتها على الأرض.
ميرة ابنة الـ27 عاماً، الطبيبة الطيّبة، رحلت وهي في رحلة الحلم الذي عاشته، نور القلم وأحداثه، نور الكتابة وجمالها، لم تعرف أنها، وهي تضع مسوّدتها الأولى في هذه الدنيا، من جدّ واجتهاد وكتاب، تمنّت أن يرى النور في حياتها، أنه كتابها الأول والأخير، وسيكون قصة لا تحمل إلّا كل خير.
رحلت ميرة في حادث مؤسف قبل عام، وقبل رحيلها كانت تمشي في أروقة «معرض الشارقة للكتاب»، كما أخبرتني أمها وهي تتأمل الكتب، وتنظر بقلبها لخروج مولودها الأول للعالم المقروء. رحلت قبل الولادة، ولكنها كانت سخيّة بأن وضعت خطة وفهرساً لمسوّدة جديدة لكتاب ثانٍ.
ميرة ستبقى نوراً لأهلها ليتذكروا كيف أن الكتاب كان شغلها وشغفها. كنت أستمع إلى أمها وأخيها وهما يتكلمان عنها بكل فخر، وأنا أدعو في قلبي لها بالرحمة، وأن يرزق أمها أجراً بصبرها. لقد أبهرني كيف أنها تقف في دار النشر في المعرض، صابرة محتسبة، وتخبر الناس عن ابنتها وكتابها «ما قبل النور».
هو إرث ميرة يرحمها الله، وهو درس جميل في قيمة التفاني والعطاء، وأن المرء يجب ألّا ينتظر، فلا يدري متى يرحل وكيف يرحل.
كتبت ميرة مقدمة جميلة وشكراً خاصاً (لم ينشر) للوالد صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، قالت فيه كيف أنها ترى النور عبر كتب السيرة، وكيف أنها ممتنّة لمبادرة «ثقافة بلا حدود» التي منحت كل بيت مكتبة.
وكانت بداية إعادة قراءتها في كتاب «السيرة النبوية دروس وعبر» للدكتور علي الصلابي، وهو من كتب مكتبة «ثقافة بلاحدود»، فشكرت الوالد سلطان القاسمي، على حرصه بأن يكون الكتاب رافداً لبناء الإنسان، ولأنه جعلنا على الخريطة الثقافية العالمية، وأن نصبح رقماً صعباً في النشر وحقوقه عبر المعرض.
ميرة رحلت ولم يرحل كتابها، ولقي إقبالاً كبيراً في المعرض، وندعو لها بالمغفرة والأجر العظيم، ولأهلها بالشكر لأنهم أكملوا ما حلمت به.
0 تعليق