توصف نجمة الغناء الكلاسيكي لاتا مانغيشكار (1929- 2022) بأم كلثوم الهند في بلدها بل وحتى آسيا كلها، وهي لا تعرف من أطلق عليها هذا اللقب، لكنها قالت للشاعر والصحفي اللبناني أحمد فرحات الذي زارها في بيتها في بومباي في العام 1987، وأجرى معها حواراً مثقفاً أنيقاً، إن جهة عربية ربما هي وراء هذا اللقب، الذي كما قالت «يفيدني، ويشرّفني». وكانت فيروز هي محور ذلك الحوار، وحين عرفت أن ضيفها لبناني من بلد الأرز قالت، إن فيروز ليست مغنية لبنانية أو عربية فقط، بل هي نجمة غناء عالمية بجدارة.
قالت (مانغيشكار) في لقائها مع أحمد فرحات، إنها عرفت وعاصرت (ماريا كالاس)، والفرنسية (إديث بياف) سفيرة الغناء الفرنسي إلى العالم، والبرازيلية (إلزا سواريس)، والروسية (غالينا فينشنفسكايا)، وبعد استعادة كل نجمات العالم في الغناء والموسيقى الحديثة، قالت أم كلثوم الهند، إن صوت فيروز يتحدّى أصوات هؤلاء المغنيات العالميات، ويظل في مركز الصدارة عليهن جميعاً..
هنا، سَأَلت أم كلثوم الهند أحمد فرحات فيما إذا كان قد عرف فيروز أو أجرى حواراً معها.. (فهي تبدو لي أنها جدّية للغاية، وشاحبة للغاية، وشحوبها هذا زادني تعلّقاً بها وانحيازاً لفنّها)..وفي ذلك الحوار الذي ورد في كتاب (وطن اسمه فيروز صفحة 246) أعربت أم كلثوم الهند عن أملها بأن تغني فيروز ما أسمته الغناء الصّوفي الهندي، وقالت إن الغناء الصّوفي، هو الغناء الذي لا أراه يليق بصوت أي من مطربات الهند والعالم بأسره اليوم إلّا بصوت فيروز وأهليته وسياديته، وقالت إن هذا التراث الغنائي الهندي يعود إلى 700 سنة قبل الميلاد.
وقالت (مانغيشكار) لضيفها: صدقني.. إذا ما قلت لك إن صوت فيروز لو رافق موسيقانا الهندوسية، وحلّ محل سائر الأصوات الهندية، وغير الهندية، ومن بينهم أنا بالطبع، فسيكون هنالك شأن آخر ومناخ آخر لثقافتنا المعتقدية أو الدّينية الهندية بالمعنى الحضاري العام للكلمة..
وفي نهاية الحوار قالت (مانغيشكار):.. صوت فيروز عندي هو سلطة بيضاء بريئة ومتعالية، لكن بلا كبرياء ولا مصادرة ولا تجبّر، وعادت لتقول ثانية في سياق أملها بأن تغني فيروز غناء صوفياً هندياً:.. إن فيروز حين تغني من قلب فضاء التصوّف الهندي القديم بأغانٍ وتراتيل معيّنة، فإنما ستفعل ذلك من قلب تراثها الحضاري المشرقي البعيد.. قبل الإسلام والمسيحية، وبعدهما، وهو تراث متصل بالتسامح.
غنّت (مانغيشكار) لشهداء الهند في الحرب الهندية الصّينية عام 1962، وبكى أمامها في ذلك الغناء جواهر لال نهرو، وقال لها: «أبكيتني يا لاتا بالمعنى الوطني العظيم لاستشهاد البعض من جنودنا، وبالمعنى الشخصي لقدرة صوتك على التغلغل في شبكة مشاعري»...أما فيروز، فقد دخلت عقدها التسعين، على وقع الكثير من الدموع أيضاً، وطوال هذه السنوات لم تغير عنوانها:.. (جارة القمر).
[email protected]
0 تعليق