هل خُيّل إليك أن العنوان مكيدة إحباط وتثبيط؟ لا خوف عليك ولا أنت تحزن، كل ما هنالك هو أن على الوعي أن يخشى مفاجآت الوعي، ما يجب تذكّره على الدوام، هو أن العالم العربي، طوال العصر الحديث، كلما أراد أن يتفينق من تحت أكوام الرماد، ويستنبت ريشاً جديداً لجناحيه، جذبته صخرة المخططات نحو العصر الحجري.
بعد عشر سنوات فصاعداً، ستكون للتنميات المتعثرة مشكلات جمّة مع الوعي، شيئاً من اليقظة العاجلة، فالحديث ليس حلقة نصائح، هل تذكر الكتاب الذي أصدره عالم الأحياء الأمريكي جيرالد إيدلمان؟ كهرباء عنوانه تلسع كل ذهن خبت جذوته: «كيف تصير المادّة خيالاً»، هكذا في الأصل الإنجليزي، والترجمة الفرنسية: «كيف تصير المادّة وعياً»، الطريف هو أن منحى الكتاب علميّ خالص، ولكن العقل العربي عليه «بطحة»، لهذا يلوذ دائماً بالمثل: «ابعد عن العلم وغنِّ له»، لهذا لم يُترجم السِفر المثير إلى لغتنا. خوفاً من وقوع فؤوس التأويلات في رؤوس العلوم، فعندها لن ينفع التدرّع بالآية: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ»، ولا التذرّع بالآية: «قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ».
المرمى هو أن الكتاب صدر سنة 2000، قبل ربع قرن، وكان الذكاء الاصطناعي آنذاك في القماط، بدأ يحبو ثم يخطو خطواته الأولى، ويدندن بكلماته الأولى سنة 2010، مع ظهور بدايات التعلّم العميق، وسرعان ما شبّ عن الطوق وقطع الأشواط خارجاً مارداً من المصباح السحري، جنّبك الله الملل من هذا التطويح، الموقع الفرنسي «مستقبل العلم» نشر (23 نوفمبر) موضوعاً بشيراً ونذيراً عنوانه: «عندما يتجاوز الذكاء الاصطناعي الإنسان: فكرة الآلة الذكية ستقسم المجتمع»، بصراحة ما إن قرأ القلم الشطر الأول من العنوان، حتى فار تنّور الخواطر المرعبة في خياله، واشتعلت خلايا الدماغ شيباً، صار فيض الخاطر البحر الخضم، ونصّ الموقع الموج.
صحيح أن المقال أثار قضايا بالغة الأهمية، من قبيل المشكلات الفلسفية والأخلاقية التي ستفجرّها الآلة الواعية، التي ستغدو مدركة أنها آلة ذكيّة، ولكن المصاب الجلل في ذهن القلم هو: كيف سينظر الذكاء الصناعي الواعي، إلى أربعمئة مليون عربي، 80% منهم، وربما أكثر، تنميتهم متعثرة؟ هم لا يعون أن تخلفهم مطلوب ومفروض بالإبادة والتدمير حتى يلوحوا في بداية سلم التطوّر، عندئذ تُطلق عليهم السباعُ الآدمية الذئابَ الاصطناعية.
لزوم ما يلزم: النتيجة الجرسية: عام 2035 سيولد وعي الآلة، المهم هو ألاّ يكون أهل التنمية المتعثرة قد فقدوا وعيهم.
0 تعليق