لبنان فوق المكتب البيضاوي بين «الصهرين» - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

د.نسيم الخوري

ليس أعقد وأشقى من الكتابة عندما يتشقّق فيها وطنك لبنان مجدّداً بسلاطينه وبطوائفه الأبدية في تقاسم الحكم والمناصب، وبمواطنيه أو بشعوبه المتنوعي الجنسيات والعقليات والرؤى والطموحات وبنازحيه. أتجرّأ بالتفكير أنّ ذاكرة اللبنانيين مرضت عندما ضمرت معاني الحياة في بقعةٍ من الطموح والغرور كستها مظاهر الرخاء المُصطنع والمستورد فوق السطوح ترافقها مراكمات النزاعات فالحروب المتّقدة باعتبارها «استراتيجيات» كريهة محت وطناً لأجيال تتدفق كما القطعان نحو الخارج أيّ خارج.
يتبسّم لبنان المتعدد الأشكال والألوان والعقول والرؤى مُكرهاً بحلول المناسبات والأعياد؛ إذ يتدفق البنات والأبناء والأحفاد بمئة لونٍ ولون ولغة ولغة ولكنة ولكنة من الدنيا كلّها وأقربها الخليج مشكوراً لكأن الـ10452 متراً مربّعاً باتت المساحة المستعارة لتفقّد تجاعيد الأهل وفقرهم ودموعهم وأشياءهم في الخزائن المُقفلة والقبلات المغمّسة بالدموع وزيارة المقابر وسرقة السهر والرقص فالمغادرة لينهمك الأهل بتوضيب مغاور الميلادات إلى مغاور الأحزاب المنفوخة بالوعيد والتجاذبات والصراعات حول المقترحات السلمية التي لا تنتهي إذ لاحدود لها ولا مسالك أو آفاق مضمونة لا من داخل ولا من خارج. محكوم لبنان بدوائر ضيقة مشلّعة فمشتعلة طائفياً- حزبيّاً- سياسياً- لتتأجّج إعلامياً ودستوريّاً فأمنياً... وهكذا دواليك.
نعيش أمام المستشفيات والصيدليات وطاقات المصارف وخلف المدارس وأمام الجامعات والفنادق والساحات المحشوة بطوفان النازحين البؤساء والعراء العام، بانتظار لحظة أمريكية بالمقاييس والأفكار والأسرار حتى تخلع البطة العرجاء ريشها خارج البيت الأبيض ويستوي الرئيس دونالد ترامب خلف المكتب البيضاوي وكأنّ لبنان ينتظر بين الصهرين الإسرائيلي واللبناني. يتلهفون بانتظار كلمة من الأمريكي مسعد بولس رجل الأعمال اللبناني الأصل الأرثوذكسي المستقيم الرأي الذي عيّنه الرئيس ترامب مستشاراً للشؤون العربية والشرق أوسطية وهو والد الشاب مايكل الذي تزوج تيفاني ابنة الرئيس الأمريكي ترامب. أيعقل أن ينتظر الناس هنا كلمة تُسعدهم وتخرجهم من الجحيم الوطني الأعرج في الجنوب والبقاع ولبنان فتراهم يحتدّون ويتعايرون على توقع مضامين ما سيتلفظ به بولس ناقلين أمراضنا نحو هجران القراءة والكتابة. أين سنعيش وسنحيا ولم يبق سوى أرغفةٍ يابسةٍ؟ لنتذكّر ونُذكّر:
1- تم اغتيال رفيق الحريري وتمطّى لبنان فولاذيّاً بين 8 و14 آذار وسقطت 11 آذار الوسطية من جذورها وتدفّق الخبراء والوسطاء والمجتمعات المدنية والعسكرية والنيابية والأحزاب الشبابية المفتونة «بثورات» ربيع العرب فديست الديمقراطية نزولاً نحو استبداديات شيوخ الاستهتار بالحوارات اللامتوازنة حتى بالتسميات لكأن العيون القيادية انغلقت وأصابها الحور. أُجهضت الأفكار والمحاولات التوفيقية ولم تلد الأيام محاولات تغري الـ 75% من اللبنانيين اليائسين الذين لم يعد يعنيهم سوى أمرين: الرحيل نحو الداخل الخاص والرحيل نحو الأقارب في الخارج.
2- لنعترف منهزمين بأنّنا ورثنا جميعاً محنة الانشداد الفولاذي بين الداخل والخارج. شكّلت هذه الجغرافيات ألواناً من التجانس الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والديمغرافي في ما كان يُعرف بالأقضية الأربعة التي سلخها الفرنسي من سوريا وألحقها بجبل لبنان في العام 1920 ليعلنها البطريرك الماروني إلياس الحويك دولة لبنان الكبير الديمقراطي بدستوره الفرنسي الذي لم تطله التعديلات إلّا عبر دستور الطائف 1990 الأمر الذي أورث ملاحظات وتجاذبات وحروب مسيحية خطيرة لم تيبس في جروحها الدماء. وأورثت بالطبع عداوات وانقطاعات وتجاذبات محكومة بحبال من التداخلات خارجية يخجل عاقل بتظهيرها حتى اليوم أو أمس لأنها تحمل مغامرات سوداء تستدعي تجدد الحروب والنزاعات المذهبية.
ألم تعي الجغرافيا ومن عليها حتى إعلان جمهورية الميثاق الوطني لعام 1943 وصولاً إلى جمهورية التسويات للعام 1990 الآنفة الذكر للخروج من خرائب لبنان بعدما أفرغت الإدارات وسقطت التفاهمات على قوانين انتخابية تُجدّد الحياة السياسية، وأُفرغ الدستور من مضامينه وهيبته وفشل المجلس الدستوري بالتلفّظ حتى بحقوق اللبنانيين ليختم الزمان اللبناني بما يمكنني اختصاره بالسؤال عن مستقبل اللبنانيين: «أيبقى طريق الحق موحشاً لسالكيه»؟
3- لنتذكّر. كانت هناك صيدا المدينة الساحلية ومازالت تربط بيروت بالجنوب اللبناني، وهي المدينة الوطنية الناهضة التي والف تاريخها فلسطين واحتضان العروبة والمقاومة، وهي العاصمة المشهود لها في التاريخ القديم بأنها الجريئة التي أغلق سكّانها أبواب أسوارها وأحرقت جسدها فقط كي لا يقفز فوقها أحمد باشا الجزّار.
لم تكن هناك جغرافيا محدّدة اسمها الضاحية الجنوبية لبيروت قبل الـ 1984 كانت هناك الأحياء المعروفة كحارة حريك، حي السلّم، الليلكي، حي الغدير...الخ. جمعتها الدولة اللبنانية تحت هذه التسمية عند إنشاء بيروت الكبرى، فوسّعت رقعة انتشار الجيش اللبناني ليحلّ مكان المسلّحين واتّخذت التسمية، أسئلةً تتراكم بعد ما حصل ويحصل اليوم عقب أربعين سنة حول التنافر بين الضاحية وبيروت. نمّت الضاحية بالطبع جغرافيا بل حيزاً خاصاً بالمقاومة الموصولة عبر خطّين: واحد يصلها بصور في أقاصي الجنوب وآخر يوصلها بالبقاع الزاوية الثانية التي فيها ومنها باشرت المقاومة أساساً بناء استراتيجياتها في ثكنة الشيخ عبدالله في بعلبك، وحيث ينتظر النازحون اليوم هناك بانتظار تطبيق بنود القرار الدولي 1701 كما يُقال الذي لربّما يذكّرني بصرخة غسان تويني رحمه الله في الأمم المتحدة: أتركوا شعبي يعيش.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق