يصعب كثيراً تصور ما سيؤول إليه المشهد السوري الراهن أو تقديم إجابة حاسمة حول مستقبل سوريا، من دون التقليل من أهمية ما حدث، باعتباره تحولاً تاريخياً ومفصلياً، من شأن تداعياته أن تنعكس ليس على سوريا وحدها، وإنما على المنطقة برمتها.
بعيداً عن سردية الأحداث التي جرت في الأيام القليلة التي سبقت طي صفحة العهد السابق، بإسقاط حكم بشار الأسد، فإن الأنظار تتجه إلى ما ستكون عليه الحال في «اليوم التالي» لهذا السقوط، وسط مؤشرات مقلقة وأسئلة مشروعة حول ما إذا كانت سوريا ذاهبة إلى النهوض والاستقرار الأمني والمجتمعي والبدء في عجلة الإعمار، وهو ما يتمناه الجميع، أو الذهاب إلى فوضى لا يرغب فيها أحد.
ومنشأ هذا القلق أن البديل المطروح للنظام السابق، وبعيداً عن الشعارات بأن سوريا لكل السوريين، والانتقال السلمي للسلطة، وكلاهما صحيح، إلا أن غياب مشروع جامع يوحد السوريين خلفه، لا يزال يبعث على القلق. فالفصائل المسلحة التي اجتمعت فقط خلف هدف «إسقاط النظام» يفرقها الكثير من التناقضات والخلافات الأيديولوجية والعقائدية والرغبة في الوصول إلى السلطة. هذا أولاً، وثانياً أن كل هذه الفصائل اصطفت خلف «هيئة تحرير الشام» الأقوى عسكرياً وميدانياً، وبالتالي من الطبيعي أن تتصدر المشهد، وأن تقوم بالتنسيق لانتقال السلطة، وتسمية رئيس الحكومة الانتقالية، الذي ينتمي لصفوفها، على الرغم من خلفية هذا التنظيم الذي يصار الآن إلى تلميعه وبحث حذفه من قوائم الإرهاب في الدوائر الغربية.
لكن ذلك لن يلغي حالة القلق التي تنتاب المنطقة من عودة الإسلام السياسي المتشدد، ولن يحجب حقيقة وجود أطراف أخرى في المعارضة التي توصف بالمعتدلة، ومن بينها النخب المثقفة والليبرالية، ومنشقين عن النظام السابق، كلهم يطمحون إلى تغيير حقيقي يؤدي إلى انتقال سوريا إلى مكانها الطبيعي والحضاري، واستعادة دورها الفاعل عربياً وإقليمياً ودولياً.
ما نشهده حتى الآن، يرجح كفة القوى الميدانية، بما تحويه من فصائل يزيد عددها على 37 فصيلاً، ذات أيديولوجيات متناقضة ومتناحرة، تتصارع لقيادة بلد يقوم على التعددية المجتمعية، وسط مخاوف من أن الطرف الأقوى فيها هو الذي يتسيد الموقف. وهو ما يبعث برسائل مقلقة إلى المنطقة، ما لم يتم الاتفاق على موقف موحد وجامع، وترجمة التوافق الوطني في برنامج عمل سياسي مشترك، للانتقال إلى مواجهة التحديات الهائلة التي تنتظرهم، ما يبعث برسائل طمأنة إلى الداخل والخارج، يصار بعدها إلى تسيير مرحلة انتقالية، تتوج على الأغلب بدستور جديد وانتخابات ديمقراطية، كمحطة على طريق بناء سوريا الجديدة التي يتمناها الجميع.
وفي النهاية، فإن الأمر متروك للسوريين أنفسهم لتقرير مصيرهم بأنفسهم، وإن كان ذلك كله يتوقف على السلوك السياسي للفصائل المسلحة، وما إذا كانت قادرة على نقل سوريا إلى المستقبل المشرق المنشود، أو أنها ستذهب إلى إغراق البلاد في المجهول، وهو ما لا يتمناه أحد.
0 تعليق