أخطاء الماضي في المشهد السوري المفجع - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

د. علي محمد فخرو

دعنا نحاول معرفة بعض الأسباب المفصلية التي وقفت وراء التحولات الهائلة السريعة المفاجئة في القطر العربي السوري العزيز. وهي بالطبع تتمة لتحولات مماثلة جرت وتجري في العديد من الأقطار العربية الأخرى.
ترى لو أن سوريا بقيت كجزء من الجمهورية العربية المتحدة، التي تشكلت في حينها من مصر وسوريا كبداية، ولم تصل إلى قرار الانفصال من خلال انقلاب قام به بعض الضباط السوريين، وبعض قادة الأحزاب السورية البلداء في فهمهم وتقديرهم السياسي... ولو أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لم يستعجل القبول بالانفصال، وإنما أصرّ كما يجب على طرح الانفصال على استفتاء الشعب السوري الوحدوي العروبي... وبالتالي لو أنه لم يجر التلاعب بقيمة وأهمية ومفصلية وأولوية تلك النواة الوحدوية التاريخية، وعلى الأرجح انضمت إليها أقطار عربية أخرى حتى ولو بعد حين، فهل كان باستطاعة الاستعمار الأمريكي وتابعيه وإسرائيل والتكفيريّين أن يمسّوا شعرة من سوريا كجزء من تلك الجمهورية؟
ذاك كان سبباً رئيسياً في شكل أسئلة تشير إلى ضياع فرصة تاريخية كانت ستمنع كل ما جرى مؤخراً في الوطن العربي كله، بما فيه سوريا.
أو يا ترى لو أن سوريا، بعد أن ارتكبت حماقة الخطوة الكارثية الانفصالية تلك، وأصبح يحكمها حزب البعث العربي الاشتراكي، تعلمت من ذلك الدّرس، وفعلت المستحيل لإقامة دولة وحدوية مع القطر العراقي الذي كان هو الآخر يحكمه حزب البعث العربي، وتغلبت هي والعراق على نرجسية بعض الشخصيات القيادية في البلدين المعرقلة لقيام ذلك الاتحاد، لو أن تلك الفرصة التاريخية الكبرى للرجوع مرة أخرى إلى شعار الوحدة والبدء بتطبيقه لم تضيّعها بلادات المتحاورين غير المتزنين في البلدين، فضاعت إمكانية أن تكون سوريا جزءاً من دولة عربية بسبعين مليون من البشر وبغنى هائل في المياه والزراعة والبترول والغاز، وآمال كبيرة في أن تكون صناعية بكل معنى الكلمة ويحميها جيش كبير مهاب من الأعداء... لو أن تلك الفرصة السّانحة لم تضع عبثاً فهل كان بمقدور الاستعمار الأمريكي وإسرائيل وغيرهما أن يمسّوا شعرة من أي من العراق أو سوريا؟
ذاك كان سبباً رئيسياً آخر في شكل أسئلة تشير إلى ضياع فرصة تاريخية أخرى.
أو يا ترى لو أن حزب البعث العربي، لم يسمح لنفسه شيئاً فشيئاً بأن يكون مجرد واجهة اسمية مظهرية لمجموعات عسكرية مغامرة جاهلة، أو لأقليات مذهبية أو قبلية أو عائلية تهيمن على قراراته وسلوكياته الإقصائية لكل القوى السياسية الأخرى في القطرين، فهل كان للعراق أن ينتهي إلى ما انتهى إليه من ضعف وتفكك واستباحة، أو كان لسوريا أن تعرض على العالم المشاهد المؤلمة وغير المشرفة التي شاهدناها في الأسبوعين الماضيين، فأحزنت الملايين وأبكت المحبّين لسوريا، وأدخلت اليأس في قلوب شابات وشباب الأمة؟
كان ذلك كله عبثاً بالنضال السياسي العربي الذي لم يسلم قطر عربي واحد من ممارسة نوع أو أكثر من أنواعه المفجعة. أو يا ترى لو أن مؤسسات مؤتمر القمة العربية، أو الجامعة العربية، أو منظمة التضامن العربي الإسلامي استخدمت قدراتها الهائلة بشكل حقيقي، فهل كان الاستعمار الأمريكي وأتباعه وإسرائيل وغيرهم يجرؤون على مسّ شعرة من الكثير من الأقطار العربية بما فيها سوريا العزيزة، ومحاصرتها سنين طويلة، وتدمير اقتصادها وكل مصادر معيشة شعبها العربي العظيم الذي كان ولا يزل يدافع عن كل شعب من شعوب هذه الأمة ويضحّي بالكثير من أجلها؟
كان ذكر كل ذلك التاريخ المؤلم المأساوي من أجل أخذ الدروس والعبر، لا من قبل سوريا وحدها، ولكن من قبل الجميع، ولكن على الأخص من قبل نظام الحكم الجديد في سوريا الذي يحتاج إلى أن يتجنب سياسات الإقصاء الكارثية، وممارسات الانتقام العبثية، وهيمنة أخطاء الماضي على الحاضر والمستقبل، فلقد تعب شعب سوريا العروبي المضحّي العظيم من تحّمل مسؤوليات ونتائج كل ما حدث، وأن يعود إلى السير في الدروب التاريخية الرائعة التي عُرف بعدم الخوف من اقتحامها بشجاعة واقتدار.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق