ما حدث في سوريا، أخيراً، يُعدُّ تغيّراً دراماتيكياً مفاجئاً؛ إذ تبدلت الموازين والقوى المؤثرة بين ليلة وضحاها، وانتهى الحكم فيها إلى وضع جديد مختلف كلياً؛ حيث إن القادم لا يزال غامضاً في هذا البلد الذي اكتوى باحتراب داخلي على مدى أكثر من 13 عاماً، والمستقبل سيحمل في طياته الكثير من التحديات على الصعيدين الداخلي والخارجي.
لكن ما يهم السوريين الآن هو السيطرة على الأوضاع الأمنية بهدف إنشاء دولة موحدة تقود المرحلة الراهنة، وتحافظ على السيادة على كل ذرة من تراب سوريا، تمهيداً لعملية سياسية تشمل كل فسيفساء المجتمع السوري من دون استثناء، والنظر إلى السوريين بعين المساواة بعيداً عن التحيز إلى عرق أو مذهب، ومنع انفلات الأمور من عقالها، أو تحولها إلى كانتونات يحارب بعضها بعضاً.
إنشاء حكومة العدل هو المطلب المُلح الآن من كل أطياف الشعب السوري، بحيث يتم استئصال الفساد، وبناء مؤسسات الدولة مجدداً، ورد الحقوق إلى أصحابها، واستبعاد من يريد بهذا البلد سوءاً، والأهم من كل ذلك البدء بعملية مصالحة مجتمعية في محاولة للتخلص من إرث الحرب، وإزالة الشحناء والبغضاء، والبدء بمرحلة جديدة عنوانها البناء معاً بيد واحدة.
من المؤكد أن المرحلة القادمة لن تكون سهلة؛ إذ إنها تتطلب عملاً جاداً، من نخب ومثقفي سوريا، التي عُرفت على مر التاريخ بأنها أرض الحضارات، وولّادة الإبداع والعلم، وستكون قادرة على صناعة المستحيل، وتجاوز العقبات الكبرى، بسواعد أبنائها، كما أنها تستطيع تجاوز المؤامرات المحوكة لها، والأطماع التي لا تريد لها أن تصبح دولة ذات شأن؛ إذ ثمة أيدٍ عابثة كثيرة قد تُذكي أحقاد الماضي، أو تلعب على أوتار العرقيات والمذاهب، أو تستغل الظرف الحالي لقضم المزيد من أراضيها، وتدمير مقدراتها التي بنيت على مدى سنوات طويلة.
يمكن إصلاح ما تهدم، لكن ليتم ذلك لا بد من جهود مخلصة، وقيادة واعية منصفة، يتساوى فيها مواطنوها من دون تمييز، تعيد بناء ما دمر، وتستدرك ما فات، وتنسج العلاقات الدولية بناء على مصالح الدولة، وألّا يكون للعصبيات والثأر أي مكان.
الطريق ليس مُعبّداً، والقادم ليس أسهل مما مضى، فالمعطيات الجيوسياسية معقدة في ظل تدخلات خارجية ووجود قوى دولية، إضافة إلى أن ثمة جهات تطمح إلى إنشاء أقاليم مستقلة، ما يهدد وحدة الأراضي، كما أن تنظيم «داعش» يتربص للانقضاض من أي ثغرة أمنية قد تنشأ، وهنا يبرز دور العقلاء في قطع الطريق على كل من تسوّل له نفسه زعزعة السلم الأهلي، وإذا تُرك الحبل على الغارب فإن مصيراً بائساً ينتظر سوريا ربما يفوق ما عانته خلال سنوات الحرب الثلاثة عشرة الماضية.
0 تعليق