لم يكن سقوط النظام السوري بلا أسباب أو مقدمات. كانت أسباب عديدة تعتمل في داخله وتتراكم من دون أن يعيرها بشار الأسد أي اهتمام، أو يعمل على ضبطها أو يعمل لها حساباً، إما لسوء تقدير، وإما لثقة مفرطة بأنه يمسك بكل الخيوط، وإما لقصر نظر في معالجتها ما جعلها تصل إلى الحد الذي وصلت إليه، وفرضت عليه مغادرة البلاد.
كانت الحركات الشعبية التي انطلقت عام 2011، والتي تطالب بإصلاحات سياسية مجرد إرهاصات أولية تدعو إلى ضرورة سلوك طريق سياسي مختلف في التعاطي مع القضايا الداخلية والمطالب الشعبية قبل أن تتعسكر وتأخذ منحى العنف الإرهابي المتطرف.
لم يدرك يومها بشار الأسد أن عليه أن يبدأ نهجاً جديداً يقوم على تحقيق مطالب سياسية واجتماعية مشروعة قبل أن تستفحل الأوضاع وتتوسع رقعة سيطرة المجموعات المسلحة إلى حد أن اضطرت روسيا إلى التدخل عسكرياً عام 2015 لحماية النظام، ومن ثم تدخّل مجموعات مسلحة أخرى مثل حزب الله والحرس الثوري الإيراني لدعمه، إلى أن بسط النظام سلطته على معظم الجغرافيا السورية، باستثناء مناطق في الشرق والشمال.
اعتقد النظام أنه بات في مأمن، وأن الأوضاع يمكن معالجتها مع مرور الوقت، ثم دخلت أطراف إقليمية (روسيا وتركيا وإيران) على الخط في محاولة منها للتوصل إلى صيغة للتسوية السياسية الداخلية من خلال منصة أستانا، كما أصدر مجلس الأمن القرار رقم 2254 بالإجماع، والذي يلزم دمشق بتسوية سياسية مع المعارضة وصولاً إلى مصالحة وطنية، وإقامة نظام ديمقراطي تعددي جامع، وتعديل الدستور، بما يعنيه ذلك من وضع نهاية لنظام الحزب الواحد.
كل الجهود والمحاولات التي بذلت خلال السنوات القليلة الماضية بهذا الخصوص فشلت، حتى بعد عودة سوريا إلى الجامعة العربية ومشاركتها في أعمال القمم العربية، حيث تم تشكيل لجنة عربية للعمل على تحقيق تسوية سياسية إلا أنها لم تنجح في مهمتها.
نصائح كثيرة من الحلفاء والأصدقاء قدمت للنظام كي يعيد تصويب البوصلة، ويقود مصالحة وطنية مع المعارضة، والمباشرة بإصلاحات سياسية، خصوصاً مع تشديد الحصار الاقتصادي والعقوبات التي فرضت على سوريا، وباتت تشكل أزمة اجتماعية واقتصادية ومعيشية خانقة على السوريين، كما انعكست على القوات المسلحة المفترض أنها تقوم بحماية النظام.
ربما اعتقد النظام أنه في حال قيادة مشروع المصالحة مع المعارضة فإنه سوف يقدم تنازلات قد تفضي في نهاية المطاف إلى نهايته، أو ربما كان يشعر بأن المظلة الأمنية الروسية ودعم الحلفاء له يشكلان له مصدر حماية، وبالتالي فإنه ليس مضطراً إلى تقديم تنازلات.
لم يدرك بشار الأسد خلال الأشهر الأخيرة أن البيئة الإقليمية والدولية تغيرت، وأن أوهام القوة تلاشت، وأن المصالحة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي مهدت لها روسيا باتت ضرورية، وأن هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاق مع أنقرة على حلول للوجود العسكري التركي على الأراضي السورية، وعلى وضع الجماعات المسلحة في الشمال. كما لم يدرك أن الحليف الروسي الذي يخوض حرباً في أوكرانيا ضد حلف الأطلسي لم يعد قادراً على دعمه كما كان الحال من قبل، وأن حزب الله والحرس الثوري الإيراني ليسا قادرين على دعمه كما كان في السابق، ولعل الخطأ الأكبر كان سوء التقدير تجاه القوات المسلحة السورية التي كانت تعاني سوء الأوضاع المعيشية وفقدان القيادة والسيطرة، ما جعلها تستنكف عن القتال لصد الهجوم الأخير للجماعات المسلحة التي استولت على السلطة.
الآن، المهم هو سوريا كوطن وشعب، بما يعنيه ذلك من وحدة ترابية، ووحدة وطنية، وسلم أهلي، واستقرار سياسي، ودرء مخاطر التقسيم في إطار حوار وطني صادق يقود إلى الدولة المدنية، وينتج سلطة ديمقراطية جامعة.
0 تعليق