«أحد الأمومة»..رواية الأسئلة التي تلاحق القارئ - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الناشر: دار روايات
====================
الشارقة: علاء الدين محمود
لا تزال الروايات الرومانسية تجد إقبالاً كبيراً من قبل القراء حول العالم، نسبة لحنين الإنسان الدائم للماضي الذي قد يكون متخيلاً، والذي يفترض فيه البعض أنه خال من الهموم والمشاغل، وكذلك يجد الناس في تلك الحكايات العاطفية ملاذاً وهروباً من الواقع وقسوة الحياة المعاصرة، فالحب هو ذلك الشعور الغامض والممتع والذي لا يعترف بكل أشكال الفوارق بين البشر.
رواية «أحد الأمومة»، للكاتب البريطاني غراهام سويفت، الصادرة في نسختها العربية عن دار روايات، في طبعتها الأولى عام 2018، بترجمة: أحمد العلي، قطعة سردية غاية في الثراء والمتعة، حيث تتناول عوالم مختلفة في حقبة تاريخية اجتماعية معينة في بريطانيا، في العشرينات من القرن الماضي، حيث لم تغرب بعد شمس العنصرية والعبودية ومختلف أشكال الفوارق العرقية والطبقية، ويغوص العمل في الكشف عن الكثير من الأبعاد الاجتماعية والنفسية الناجمة عن علاقات الحب المحرمة اجتماعياً بين أبناء وبنات الطبقة العليا والمستعبدين الذين يعيشون في أدنى الدرجات من السلم الاجتماعي، وترصد الرواية الدوافع من مثل هذه العلاقات السرية وكيف يتم التعامل معها من قبل الذين عاشوها كل حسب خلفيته العرقية والطبقية، هل يمكن للحب أن يحدث لحظة ولو قصيرة من الندية بين السيد وخادمته التي وقع في حبها، أم أن مثل هذه العلاقة لا تعدو أن تكون مجرد إشباع رغبات، وشكلاً من أشكال تجريب حياة مختلفة؟ تلك الأسئلة ستظل تلاحق القارئ منذ بداية أحداث الرواية وحتى خاتمتها، وربما لن يجد إجابة لها، لأن العمل نفسه لا يحمل مثل تلك الإجابات.
*قصة
الرواية تتحدث عن بطلتها جين فيرتشايلد، وهي شابّة تعمل خادمة في أحد منازل الرّيف الإنجليزي، تلتقي حبيبها السرّي، بول شيرينغهام، الشّاب النبيل الذي ينتمي إلى العائلة التي تسكن في الجوار، حيث يتمّ اللقاء بينهما في يوم أَحَد الأمومة، فهذا اليوم الذي يعني أو يشبه «عيد الأم»، هو بمثابة عطلة لعمال المنازل يتم فيه صرف الخادمات نهاراً للسّفر كي يزُرنَ أمّهاتهن، وحينها تغدو البيوت فارغة من سكّانها،، لكن في ذلك الأحد تقضي جين فيرتشايلد ذلك اليوم مع بول، رغم أنّه على وشك الزواج من امرأة من طبقته الاجتماعية، وقد اقترب موعد حفلة زواجه، وبدا لها أن هذا اليوم هو يومهما الأخير معاً، ليشكل هذا اليوم وما حدث فيه نقطة تركيز هذا العمل السردي الممتع.
*خط زمني
يسير السّرد في الزّمن ماضياً وحاضراً، منذ عام 1924 وحتى نهاية القرن. تكبُر جين فيرتشايلد، الخادمة التي تتحوّل إلى أشهر روائيّة في الوسط الأدبي، وقد أصدرت عدّة روايات اشتُهرت بها، غير أن هناك رواية واحدة لا تستطيع كتابتها، لا تستطيع الإفصاح عمّا جرى، في ذلك اليوم العجيب السحريّ، يوم أحد الأمومة قبل عشرات السّنين، ذلك الماضي الذي يظل مسيطراً على هذه الفتاة العصامية التي جمعتها تلك اللحظة المحرمة بذلك الشاب النبيل.
*عتبة نصية
عنوان الرواية يشير إلى طقس وتقليد معين، حيث إن يوم «أحد الأمومة»، هو بمثابة احتفال في إنجلترا، فهو بمثابة طقس له أبعاده الاجتماعية، حيث تتلقى الأمهات الزهور والهدايا من أطفالهن، ويزور الذين يعيشون بعيداً عن الأسرة أمهاتهم، وتعود تقاليد ذلك اليوم إلى القرن السابع عشر على الأقل، ولكن اسم يوم أحد الأمومة يعود إلى القرون الوسطى، ويرتبط في هذه الرواية بتلك الواقعة التي حدثت بين البطل والبطلة، وعلى الرغم من أن قوام السرد ينهض على تلك الحادثة، إلا أن الحكاية تركز بصورة أكبر على شخصية البطلة، كيف عاشت وماذا فعلت في حياتها بعد تلك الواقعة، ومدى تأثير الحادثة في شخصيتها، وهل طاردتها عقدة الذنب، وهل استجابت لتلك العلاقة بإرادة حرة، أم هي مجبرة لكونها خادمة؟ فالرواية تناقش هذه القضية «الحرية والإرادة»، بصورة كبيرة من خلال الأسئلة والحوارات وحديث الذات لبطلة الحكاية، إذ إن هناك حمولة فلسفية كبيرة في العمل حول الإنسان والحياة والوجود، وهي عوالم عمل المؤلف على تمرير ثقلها عبر أسلوبية خاصة في السرد، إضافة إلى توظيف تقنية «الفلاش باك»، والاعتماد على قوة الوصف للشخوص والأمكنة، كما أن الرواية تترك مساحات فارغة حتى يملأها القارئ بدلالة العلامات والرموز، فالعمل يحترم عقل المتلقي ويدعوه للتفكير والتأمل الجاد حول المصائر والإجابة على الأسئلة التي طرحتها القصة.
*أسلوب
يخلق غراهام سويفت شخصية جين فيرتشايلد على غرار شخصيّة سندريلا الكلاسيكيّة، ويُجدّد بذلك طريقة الحكواتي التقليدية، فيأخذها لا ليوجّهها إلى الأطفال، بل الناضجين، ويُعيد كتابة سندريلا فيحوّلها إلى جين، التي تؤمن بقدراتها وذكائها، وتقرأ الكتب، ولا رجُل في حياتها تنتظره كي يرفع من قَدْرها ومقامها، وتنزع عنها ثياب الخادمات لترتدي ما تريده هي. قصّة رومانسيّة ينقبض لها القلب، كُتبَت بأسلوب سرديّ خلّاب وتجريبيّ، ما جعل منها حكاية نادرة ومُثيرة، والواقع أن العلاقة بين بطلة الرواية جين وشخصية ساندريلا تكمن في أن كلاً من الفتاتين عاشتا تجربة مماثلة، فهما تنتميان للطبقة الاجتماعية نفسها، وكان قدرهما أن تعشقا رجلين من واقع اجتماعي مختلف، وربما ذلك الربط بين قصة جين وسندريلا من قبل المؤلف يعزز البعد الرومانسي في الحكاية، حيث أراد المؤلف أن يكتب قصة حب مستحيل وفي ذات الوقت يحشد الحكاية بمواقف فكرية وفلسفية من دون إهمال الأبعاد الجمالية، خاصة أن الرواية تنطوي على الكثير من المواقف المحزنة والقاتمة.
*كان يا ما كان
وعلى طريقة الحكايات والقصص الشعبية القديمة التي كانت تحكى للأطفال، استهل الكاتب الرواية بعبارة «كان يا ما كان»، لزيادة الربط بين قصة جين وسندريلا، وكذلك حتى يضع القارئ في اعتباره أن هذه القصة حدثت في زمن قد مضى، وأن الرواية ستصحبه في رحلة نحو ماض ليس ببعيد بحكم أن الحكاية حدثت في عشرينات القرن الماضي، وليست في العصور السحيقة، وتستهل الرواية بهذا المقطع الرائع والمؤثر: «كان يا ما كان قبل مقتل الفتيان، حين كانت العربة أقل رواجاً من الحصان، وقبل تسريح الخَدَم الذكور من الدور، في أراضي آبلي وفي بيتشوود العالية، مكتفين بخادمة وطاهية، كانت هناك عائلة تدعى آل شيرينغهام. لم تكن تملك مجرّد جيادٍ أربعة، بل إن بينها جواداً أصيلاً اسمه هاندانغو، يرعى في إسطبل جوار نيوبيري. لكنه لم يربح قط قرشاً. والسبب هو تدليل العائلة له، فهم يأملون منه تحقيق الشهرة والنصر في ميادين السباق جنوبي إنجلترا».
*صدى
الرواية وجدت صدى كبيراً بين القراء وتبارى النقاد في الحديث عم تضمنته من قيم فكرية وجمالية، حيث تحدثت صحيفة «الغارديان»، البريطانية عن الرواية بالقول: «تراجيديا قصيرة ومؤلمة رواية سويفت هذه، ولا شك تحفة أدبية»، كما تحدثت «الإندبندنت» عن الكاتب بالقول: «إنه سيد التفاصيل وتأجيل اللحظة، يكتب سويفت بأناة وتراكم خالقاً سرداً يحمل أكثر مما يجده المرء في القراءة الأولى»، أما صحيفة «ذا أوبزرفر»، فقد ذكرت ما يلي: «رواية قوية، فلسفيّة، وشديدة الخصوصية».

*اقتباسات
«بعض الزيجات سبيل لاقتناص الغنائم»
«هناك استبداد وقح يصعب تفسيره».
«أحد الأمومة تقليد بدأ يتلاشى لكن الحالمون يتمسكون به».
«الحرب أصبحت عذراً يناسب كل شيء».
«الكلمات مثل جلد خفي يحيط بالعالم ويمنحه واقعه وهيبته».
«تبادلا الضحك الخافت كأن العالم في حالة حداد».
«أمور كثيرة في الحياة لا يمكن أبداً تفسيرها».
«أن تروي قصصاً، ذلك يعطي انطباعاً بأنك تتاجر باختلاق الأكاذيب».

أخبار ذات صلة

0 تعليق