«الأبواب في الإمارات»..دلالات التراث - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

سعياً إلى رصد وتوثيق مسار البوابات الخارجية في الإمارات، واستعراض ما استُلهم فيها من رموز ونقوش، ودلالات، جاء كتاب «الأبواب في الإمارات.. الرمز والقيم والمعنى»، لمؤلفه الدكتور المهندس محمد عبدالله المنصوري، ليناقش الأسباب التي أسهمت في استخدام هذه الرموز والنقوش في العمران المحلي الإماراتي.
صدر الكتاب عن معهد الشارقة للتراث سنة 2024، في 300 صفحة، وتناول فيه المؤلف موضوعه عبر مقدّمة، وثلاثة فصول: (الباب في الأدبيات العربية، الأبواب في الإمارات.. الكتابات والنقوش والقيم والتراث، و أبواب الرمز والقيم والمعاني)، إضافة إلى ملحق للصور الفوتوغرافية لبعض الأبواب التي استخدمت عليها العديد من الأشكال الرامزة إلى دلالات مختلفة.
أهمية
بعد مقدّمة ممهدة لموضوع الكتاب، ينطلق المؤلف في فصله الأول بالحديث عن ما للأبواب من أهمية في التاريخ والثقافة العربية، لكونها شكلاً من أشكال الفن والتعبير الزخرفي، عدا عن كونها وظيفية، وهو ما تجلّى كثيراً في الأدبيات العربية، حيث يعتبر الباب رمزاً للحدود بين الفضاء الخارجي والداخلي، بين الخاص والعام، كما أنه يمثل انتقالاً من الأسرة والمنزل إلى المجتمع وبالعكس.
ومنذ القدم اهتم المعماري العربي بالباب، على اعتبار أنه يعطي الانطباع الأول تجاه البيت، فالباب هو أول ما يواجه الساكن والضيف عند ولوجه إلى المنشأة المعمارية، وهو آخر ما يراه عند مغادرتها، ويتغير حجمه وفق مهمته ومكانه.
كما يعبر الباب عن العديد من المعاني والدلالات والإشارات، فرغم كونه عنواناً للبيت بمعناه المحدد؛ فإنه يتسع للإحالة إلى أبعد من ذلك، فللحياة أبوابها، وللسماء بابها الواسع، وعلى باب الله تنبلج الصباحات على الحكمة والرزق والصبر والطمأنينة.
دلالات
يتناول المؤلف دلالات الأبواب في العالم العربي ومعانيها، فيقول: إن استعراض مجمل أساليب النقش في الخشب، لا يعني استقلال بعضها عن بعض، إذ من الممكن أن نشاهد تداخل أساليب النقش ممتزجة مع بعضها في وحدة زخرفية واحدة، حيث بدت هذه السمة أكثر في المراحل الأخيرة التي دخلت فيها أشكال مركبة ومعقدة، تتداخل فيها العناصر وأساليب الحفر المختلفة، وهو ما جعل خصائص النقش العربي تبدو جلية في بعض السمات التي تميزه؛ لأن فن النقش يرتبط بهوية المزخرف.
وحول الزخارف والنقوش الخشبية في دول الخليج العربي بالتحديد، يبرز المؤلف مدى التقارب في الرمز الزخرفي كشكل وتسمية بين مختلف مناطق هذه الدول، وهو ما تمكن ملاحظته في البيدانة، والنجمة، والسلسلة، وأشكال الزهور، رغم تميز كل منطقة بخصوصية في بعض الرموز الأخرى، وهو ما جعل هذه المناطق تشتهر بجمال الأبواب الخشبية ذات الزخارف الهندسية والنباتية، التي كان جزءا منها يصنع محلياً، والجزء الآخر يستورد جاهزاً من الهند، أو الساحل الشرقي الإفريقي، أو من البصرة، أو من الساحل الشمالي للخليج العربي.
ذاكرة المكان
في الفصل الثاني يتناول المؤلف الأبواب في الأدبيات الإماراتية، ويعرض جوانب من سرديات الأدباء والكتاب الإماراتيين عن الأبواب، متحدثاً عن خواطر الباب كرمز لذاكرة المكان، في نماذج من الأدب الإماراتي بشعره وسرده، كما يتطرق إلى الأبواب الخشبية التقليدية، التي حظيت في حوض الخليج العربي بانتشار واسع في حقبة ما قبل اكتشاف النفط، حيث كانت من أهم العناصر المعمارية في البيئة العمرانية التقليدية، وترجع شعبيتها في المنطقة إلى متانتها وجمال نقوشها وزخرفتها، إضافة إلى ما تعكسه من مكانة لصاحب البيت.
كتابات وزخارف
ويتناول المؤلف ما تتميز به الأبواب التقليدية الخشبية في الإمارات من وجود للكتابات، حيث كان بعضها يحتوي على كتابات مثل آيات قرآنية، أو أبيات من الشعر، أو تاريخ بناء البيت، خاصة أبواب القلاع والحصون وبيوت الشيوخ والتجار والموسرين، ومن بين ما يورده من نماذجها باب الفردان في دبي الذي كتب عليه تاريخ صناعته بالتقويم الهجري، وقصر الحصن الكبير في أبوظبي الذي كتبت في أعلى بوابته عند بنائه البسملة، والآية القرآنية ‏الكريمة: {إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً}، وبوابة قلعة الجاهلي بالعين التي وضعت عليه لوحة كتبت عليها عبارة بحساب الجمل تفيد بتاريخ إنشائه، وبوابة قصر العين للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، التي تظهر عليها الآية الكريمة ‏{ادخلوها بسلام آمنين} مع تاريخ بنائها.
ويبرز المؤلف أن الزخارف والنقوش الخشبية كانت دائماً جزءاً أساسياً من تصميم الأبواب التقليدية، حيث لعبت دوراً حيوياً في إبراز جمالية وجاذبية الأبواب، لكونها تتيح التعبير عن الفن التقليدي وحرفية النجار المحلي، الذي يتمكن من تقديم تفاصيل دقيقة ونقوش متنوعة، ما يعزز أسلوب التشكيل البصري العام للمكان.
ويثبت المؤلف اعتماد الأشكال الزخرفية في الأبواب الخشبية المحلية كثيراً على الأسلوب الهندسي، الذي يتناول عناصر محورية من الطبيعة، كالفصوص الزهرية وأشكال النجوم، كما أن هناك عناصر محلية أصبحت تقليداً متبعاً لدى المزخرفين، تتردد كثيراً في نقوش أبواب دبي، يمثلها عنصر (الشمسية)، الذي قوامه أشعة ضمن قوس دائري ذات قاعدة مربعة، بداخلها عدة أشكال، وتعد الرمز الأكثر وضوحاً وانتشاراً في زخارف أبواب مناطق الساحل الإماراتي، كما يمكن أن نلاحظ تقدمها على بقية الرموز في كثير من أبواب الشارقة ودبي، ومنها نقش الهلال الموجود في العديد من الحشوات الخشبية، ومنها كذلك البيدانة، وهي عبارة عن شكل مدبب من الطرفين، ومنفوخ من الوسط، يتولد من تقاطع مجموعة من الدوائر، ومنها كذلك المرش الذي يستخدم عادة في رش ماء الورد في المناسبات.
قِيم
في الفصل الثالث والأخير، تحدث المؤلف عن تأثير اكتشاف الثروة البترولية في دول الخليج في التحولات التي طرأت على البيئة العمرانية الإماراتية، حيث حدث تحول من العمارة التقليدية إلى العمارة الحديثة، انتهى خلاله استخدام الأبواب الخشبية التي كانت تستخدم في المساكن إلى استخدام الأبواب المعدنية المصنوعة من الحديد، فظهرت في منتصف السبعينيات، في مختلف مناطق البلاد، أنماط من الأبواب الحديثة الحديدية، تميزت بأشكال ورسومات ترمز إلى دلالات ومعاني محلية خاصة، كالنخيل الذي يرمز إلى الحياة في البيئة الإماراتية، وقيم الخير والعطاء والخصوبة والكرم والاستقرار، والدلة التي تشير إلى الكرم والترحيب بالضيوف، والنجمة والهلال والزهرة، التي تعبر عن الارتباط بالإسلام والتفاؤل، والخنجر الذي يعبر عن القوة، وعصا اليرز التي تعبر عن قوة الشخصية، والبحر الذي يمثّل الإقبال على مصادر الرزق والعمل، والاستعداد للتواصل مع العالم الخارجي، والخط العربي الذي يرمز إلى محتوى النص المكتوب فيه، والصقر، والجمل وعلم دولة الإمارات، وغيرها من الرموز التراثية التقليدية والوطنية.
وقد نشر المؤلف في الكتاب ملحقاً من الصور الفوتوغرافية لتلك الأبواب، توثق جانباً مهماً من البيئة العمرانية التي تميزت بها المساكن في الإمارات في حقب ماضية، كما ترصد هذه الصور جانباً من الارتباط بين العمارة والقيم الثقافية والاجتماعية في الدولة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق