شعراء الجبال في الإمارات - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

سألت الصديق الشاعر عبد الله الهدية: هل ما زلت تصعد الجبال في رأس الخيمة؟ فقال: وأصعدها حافياً أيضاً كما كنا نفعل ونحن أطفال.
ويعرف الجبلي جيداً أن صعود تلك الأعالي القريبة من السحاب يتطلب عدم ارتداء حذاء. إنه يقفز كالسنجاب.. خفيفاً جميلاً مثل نحلة في هذا الفردوس الحجري الصاعد إلى الغيوم. في شعم، وفي عام 1984 كان لي مجرى قلم. كتبت هناك مجرّة من الشعر، وفي أثناء عملي في مجلة الشروق في التسعينات صعدت جبال تلك البلدة النائمة بين النخيل بالقرب من البحر. كتبت عن الشحوح، الرجال الأكارم، أهل المروءة والكرم. تتبّعت أثر أولئك الرجال. بيوت الحجارة وشعاب القمح والقبور القديمة. صعدت الجبال كما يفعلون، وكان دليلي شحّياً صبوحي الوجه في الستين من عمره. رجل كالنحلة من حجر إلى حجر.
هذا مقطع من الذاكرة، استعدته في إحدى أمسيات مهرجان الشعر في الشارقة. مهرجان صداقات كما هو مهرجان قصائد ورجال قصائد. رأيت عبد الله الهدية صاحب الابتسامة البيضاء والقلب الأبيض، وأردت أن أسأله عن شعراء الجبال في الإمارات، شعراء جبال جلفار، ووادي الحلو، وخورفكان وجبل حفيت، وجبال الفجيرة وحَتّا وغيرها من هذه السلاسل المهيبة التي تشبه زرد ظهر الإنسان وظهر الجغرافيا.
بالجبال يُشَدُّ ظهر الأرض. إنها أوتاد الله في التراب والحجر. وهنا في هذه الامتدادات يعيش الشجر وَيَعُمّر. ومن رؤوس الجبال يمتد ماء الينابيع، وتصبح الأودية غابة من الظلة ونعمة الماء. شجر يعطيك رائحة المانجو والليمون (اللّومي) وسعادة الخضار، وماء الثمر.
أسأل عن شعراء الجبال في الإمارات.. شعراء الجبال الذين عاشوا ويعيشون بين صفاء وقوّة الحجر، وشعراء الجبال الذين لم يعيشوا في الجبال، لكنهم كتبوا عن هذه الجغرافيا الصلبة التي تشبه ثمرة جوز الهند: قاسية من الخارج، وقلبها طيب ولذيذ المذاق من الداخل.
مهرجان الشعر العربي في الشارقة مهرجان مذكّرات وأفكار. في المهرجان أيضاً شعراء جبال عرب جاؤوا من فضاءات قاسَيون وعبقرية الحجر في جنوبيّ الأردن، وامتدادات القوّة الأرضية الفطرية في إفريقيا، والعراق ووادي النيل.
في كل مرة أفحص فيها الذاكرة تكون الطبيعة الحجرية والمائية والرملية هي بطلة هذه الذاكرة. وفي الإمارات، ومنذ شباب القلم وشباب الجسد، عرفت بيئات ثلاثاً في المكان: بيئة البحر، وبيئة الرمل، وبيئة الجبل. ودائماً قوس المعرفة لا يكتمل. ها هو عبد الله الهدية أحد شعراء الجبال يصعد إلى القمم حافياً، كما كان وما زال يركض حافياً على وجه الرمل المخطوط بالقرب من فتنة البحر، أما شعراء الصحراء فهم العدّاؤون الأوائل. أولئك من كانوا يسابقون ويسبقون الرياح، وكان الشاعر منهم أسرع من حصانه.
الشاعر بطبعه الفطري مَشّاءٌ وَعَدّاءٌ. سريع الخطوة، وسريع البديهة. قصيدته دائماً ملفوفة في الرياح.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق