إسرائيل والمأزق السوري - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

تكشف النقاشات الدائرة في إسرائيل، عبر ما تنشره وسائل إعلامها، بشأن بلورة خطط لتقسيم سوريا إلى كانتونات منفصلة، تحت ذرائع «إنسانية» واهية، من نوع «حماية الأقليات» وغيرها، عن أهداف بعيدة المدى، تسعى من خلالها إلى فرض واقع جديد على المنطقة، يخدم أطماعها التوسعية ومصالحها الأمنية والاقتصادية والسياسية على الصعيد الاستراتيجي.
مهّدت إسرائيل لهذه الخطط بخطوات عملية قامت خلالها بالتوغل في الأراضي السورية واحتلال المنطقة العازلة، وصولاً إلى السيطرة على موقع جبل الشيخ الاستراتيجي. كما ألغت اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974، ثم قامت بتدمير مقدرات الجيش السوري البرية والجوية والبحرية مستغلة لحظة ارتباك ناجمة عن وجود سلطة غير مستقرة في دمشق بعد سقوط نظام الأسد، وما رافقه من ارتباك آخر على مستوى المنطقة والإقليم عموماً.
وتشير التقارير إلى أن إسرائيل تخطط لتوسيع المنطقة العازلة بعمق 15 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، وإنشاء مجال نفوذ استخباراتي يمتد إلى 60 كيلومتراً ليشمل دمشق ومطارها، بذريعة الحفاظ على أمنها على طول الحدود الشمالية، وضمان بقاء هذه المناطق خالية من أي تهديدات أو إطلاق صواريخ منها نحو الجولان المحتلة مستقبلاً، ناهيك عن المكاسب الاقتصادية التي يمكن أن تحققها عبر تأمين موارد استراتيجية مثل المياه والطاقة. وهي كلها تستهدف تسهيل تحركاتها لتنفيذ خطط التقسيم الموضوعة سلفاً، أولاً لإضعاف سوريا ووضعها تحت الرقابة المباشرة، وثانياً لفرض نفسها كلاعب أساسي في الإقليم يصعب تجاوزه لاحقاً.
وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية كشفت، في وقت سابق، عن تصور إسرائيلي لتقسيم سوريا إلى أربع كانتونات، واحدة في الجنوب ومركزها السويداء، وأخرى في الشمال تمتد من إدلب حتى الساحل السوري شمال غربي البلاد، وثالثة المنطقة الكردية في شمال شرقي سوريا، والرابعة هي ما يتبقى من سوريا ومركزها دمشق. لكن هذه الخطط والرغبات الإسرائيلية تصطدم، في الحقيقة، بواقع داخلي وإقليمي شديد التعقيد، فالشعب السوري، بكل أطيافه، ليس مستعداً للاستجابة لمثل هذه الخطط، رغم الظروف الصعبة التي يعيشها، وهو يرفض قطعاً أي تدخل إسرائيلي أو أي محاولات لفرض الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة. كما أنها تصطدم بمعارضة شديدة ورفض عربي وإقليمي ودولي، لانتهاك القرارات الدولية، وهناك سيل جارف من الدعوات العربية والدولية للحفاظ على استقلال سوريا وسيادتها ووحدة أراضيها، كما أن هناك إدراكاً لدى الجميع بأن محاولات تقسيم سوريا لن تؤدي إلا إلى تعقيد الأزمة وإطالة أمد الصراع.
غير أن هذا الوعي وحده ليس كافياً لدرء المخاطر ما لم يقترن بضغوط دولية حقيقية لإلزام إسرائيل بالانسحاب من الأراضي السورية، وهو ما لا يبدو متوفراً حتى الآن. ومع ذلك، فإن إسرائيل تجد نفسها في مأزق يتراوح بين العجز عن تحقيق الأهداف والمخاطرة بتفجير صراع إقليمي، ونشوء تحالفات جديدة قد تمنعها من فرض رؤيتها لما تسميه الشرق الأوسط الجديد.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق