الطوفان و«النصر» - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

بين سبتين، أولهما السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والثاني يصادف أمس 18 يناير/ كانون الثاني، دارت وقائع واحدة من أكبر مآسي المنطقة ومِحن الشعب الفلطسيني في غزة، وأمل الجميع الآن مع بداية أولى مراحل الخروج من هذه الدائرة العنيفة أن يستعيد أهل القطاع القدرة على استئناف الحياة ولو على أطلاله وبين بقايا دماء الضحايا وأشيائهم المتناثرة.
ورغم فداحة الثمن الذي دفعه الغزيون بعد «طوفان الأقصى»، فإنهم الأحق بالشعور بالنصر بعيداً من مغالطات «حماس» ومن يواليها، وهي تمضي في خلط الحقائق والمعاني والترويج لتفوق لا دليل عليه غير صبر من اقتادتهم من أهل القطاع إلى «مغامرة» لم تتحسب لطولها وعمق آثارها.
إن المعنى الوحيد للنصر الذي يدعيه لنفسه كل طرف في هذه الحرب بجميع امتداداتها الإقليمية هو توقف مأساة أهل غزة التي دامت أكثر من 15 شهراً وألقت بهم في وجه طوفان كاد يبيدهم عن آخرهم لولا تهديد ترامبي بجحيم يعمّ المنطقة كلها.
والنصر الذي يمكن تبريره لأهل غزة هنا مزدوج، فهو نهاية لتهور حركة تفردت بالقرار الفلسطيني وراهنت على إسناد من خارجه لم يأت، ولم يعد ممكناً أن يأتي، وهو لجم لسياسة إسرائيلية تعللت بما فعلته «حماس»؛ للقضاء عليها وإخراجها من معادلة الصراع، غير أن وقود هذه المواجهة كان الأبرياء. هؤلاء وحدهم من سيغتنمون الهدنة لمراجعة الأرقام الموجعة واكتشاف حجم الدمار الذي حلّ بالقطاع فغيّب أحياء، وطوى سجلات أسر كاملة، وترك ما ترك من أموات ومصابين ومفقودين.
وبينما كان على «حماس» أن تكون أول الواقفين على نتيجة ما حدث، ولو من باب المسؤولية أمام شعبها، فإنها حين تشكر لا ترى إلا قوى بعينها في المنطقة، وعندما يُنتظر منها استعداد للمراجعة، تكابر، كعادة «الإخوان»، وتقفز فوق تفصيلات ما جنته يداها إلى إيهام النفس والغير بنصر، وأن كل تضحيات أهل غزة طبيعية في تاريخ معارك التحرير وكأننا اليوم لسنا إزاء هدنة لا تعني نهاية الصراع ولا عودة الأرض.
وكما فعل بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بإطالة الحرب لأهداف معظمها يخص واقعه السياسي، وقد يستأنفها بأي حجة، فإن الحركة مصرة، رغم كل ما جرى، على التخفي في ما تدعيه من نصر، حتى لا يعود أحد إلى الأسئلة المؤجلة منذ بداية «الطوفان».
ورغم ذلك، فإن ساعة المساءلة آتية وإن تأجلت لأيام وأسابيع أخرى ينعم فيها أهل غزة بثمار الهدنة أو التهدئة رغم أي مخاوف من تنكّر أحد طرفيها أو كليهما لبند فيها أو أكثر. وباستمرار العقلية المهيمنة على الحركة، فإنها تضيف أسئلة جديدة على ألسنة شعوب المنطقة التي تشارك أهل غزة فرحة توقف المأساة وتعتبر ذلك النصر المؤكد والأولى بالاحترام.
ربما لا تزال «حماس» وما تبقى من محورها عاجزة عن تصور تبعات الـ15 شهراً، ومعنى النصر.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق