سلطان.. وصناعة الأمل - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

د. يوسف الحسن

في الذكرى الثالثة والخمسين لتولي صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي مقاليد الحكم في إمارة الشارقة، نحتفي بقائد نبيل، بصاحب مشروع وطني وقومي وإنساني، بمعلم ومربٍ له قدر عال من المصداقية، وأخلاق المسؤولية القائمة على فكرة الواجب تجاه الإنسان والوطن.
نحتفي بمن امتلك الخطاب الدافئ، المكتنز بالحكمة والأصالة والقيم النبيلة، وبمرجعية أخلاقية في التواضع والتراحم، والسريرة النقية، والغيرة والمروءة والنخوة الإنسانية، والروح المفعمة بالخير العام، ودائم التسبيح في ممارسات حياته اليومية، وقد اكتسب من خلال محبة الخير للناس وللوطن وإعلائه معاني الثقافة والمعرفة، تقدير كل من عرفه، القريب والبعيد.
يملك رؤية فكرية ثرية في ما يكتب من نصوص بحثية وتاريخية، وإبداعات أدبية، ويمسك ببوصلة متماسكة في بنيانها، لا تعرف اليأس أو البطالة، ولا تعيقها أعباء الحكم وحمولاته ومسؤولياته.
إيمانه كبير وواثق بدور التربية والكلمة والثقافة والمعرفة والعلوم والأخلاق، ورأس المال الاجتماعي، في بناء الإنسان السويّ والمنتج، وتطوير المجتمع، وبناء السلم الأهلي وحفظه. يتوغل في نقد وتصحيح ما تشوّه في سرديات مؤرخين تجاه العرب والمسلمين، يبحث في هجرة الأنباط إلى الجغرافيا العربية في جزيرة العرب وجنوبها وسواحل عُمان والإمارات وحوض الخليج العربي، ويحقق في ما روته حركة الاستعمار في المنطقة، ويستشعر الشوق إلى قصة الأندلس في أزمنة الصعود، وأزمنة الغروب وأحزان الموريسكيين المسلمين، ويشيّد أيقونات ثقافية وحضارية رائدة. هنا يستحضر بيت الحكمة العباسي ويزرعه في إمارة الشارقة التي وهبت نفسها للثقافة والمعرفة، وهناك يؤسس مراكز ومعاهد ثقافية عربية للحوار بين الحضارات والثقافات، في قرطبة وغرناطة وميلانو الإيطالية وغيرها، يرمم المجمع العلمي المصري، بعد أن أحرقه الإرهاب الأعمى، ودمر فيه أكثر من مئتي ألف كتاب، ويهديه مجلدات (وصف مصر) التي لا تقدر بثمن، ويرمم دور عبادة لمسلمين، وأخرى لنصارى أرمينيا، لأقدم كنيسة فيها.
أيقونة أخرى لها أبعادها القومية ولمقومات الهُوية الوطنية، تحمل طعم الحلم الذي راود أمة العرب منذ عقود وربما قرون، الحلم الذي كان ضرباً من الخيال العربي، قبل قرن، وهي أيقونة المعجم التاريخي للغة العربية بمجلداته المئة والخمسة والعشرين.
تحضر صورته، وأحياناً صوته الدافئ، كصوفي معرفي، بات ليله على التأمل والبحث والتسبيح، يترقب فجراً يلوح بالبشائر لأمته وشعبه، يضيء أمام السالكين دروباً للسلامة والمعرفة والخير العام، والرزق وكرامة الإنسان، يشاهدهم من بعيد، من شرفة قصره في لحظات الصباح الأولى، كما قال ذات حديث بثه تلفزيون الشارقة.
عرفناه كطالب جامعي نجيب، رأى ذات يوم مبكر في حياته في دراسة «الزراعة» وكأن الأشجار هي (شِعر الأرض)، وفي عقود تالية كان راعياً ومؤسساً لبيوت الشِعر، ولمنتديات عربية للشعراء في مدن عربية كثيرة، تعشق الشعر مثله، فضلاً عن لغة الضاد الرسولية.
تعلمنا الكثير من نبله وصبره وإرادته التي لا تعرف اليأس، منذ أيام نادي العروبة في نهاية الستينات، وتأسيس جريدة الخليج ومجلة الشروق، ولا يغيب عن الذاكرة حزنه ووجعه في ليلة «قاهرية» كئيبة عقب إعلان هزيمة عسكرية عربية عام 1967، ورحنا نردد معه قوله (يا ندامة....).
يحضر إلى الذاكرة، في مثل هذه الأيام قبل 53 عاماً، المشهد الحزين لتشييع جنازة المغفور له الشيخ خالد بن محمد القاسمي حاكم الشارقة في صبيحة يوم عيد الأضحى، في السادس والعشرين من يناير 1972.
وما زالت ذكرى تلك الأيام الثلاثة التاريخية حية في الذاكرة والمذكرات المكتوبة، ومنها أيضاً ذلك المشهد التاريخي، حينما تم انتخاب الشيخ سلطان حاكماً لإمارة الشارقة، في اجتماع لشيوخ القواسم، وكبار أعيان إمارة الشارقة، جرى قبل ظهر يوم الخامس والعشرين من يناير 1972، في مجلس (فيلا) بمنطقة الفيحاء، كان يضم مكتباً للحاكم، ويديره سمو الشيخ سلطان، حيث تم تعيينه إثر تخرجه في الجامعة.
هي أيام تاريخية محفورة في الذاكرة، ووثقها في كتبه ومذكراته المنشورة، صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان، وأجمع أهل الشارقة، وكل من عرفه وخبره أنه الأقدر على حمل المسؤولية.
بيننا مودة القلب، وذكريات طيبة تسكن النفس ولا تغادرها، ووحدة الهموم الوطنية والعربية، ولذعة الوجع على ما يجري في وطننا العربي من افتراق واحتراب، وابتسامة الفرح والحمد أمام مشاريعه الثقافية والعمرانية والعلمية والإنسانية، المفعمة بالأمل في معاودة صنع الحضارة العربية.
نحيي في هذا اليوم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، المربي والمعلم والرائد، الذي حمل رسالة المسؤولية بأمانة وجدارة وثقة، والتفاف شعبي واسع وقوي. نفاخر بإنجازاته وبحرصه على تماسك الاتحاد وإعلاء شأنه ورخاء شعبه، وأمنه واستقراره، ونسأل الله أن يحفظه، ويمد في عمره، ويمتعه وأسرته وسمو الشيخة جواهر، بالصحة والعافية، ويديم على الإمارات نعمة الخير والأمن والأمان والرخاء، وندعو الله سبحانه وتعالى أن يوفق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، لما فيه خير البلاد والعباد، وأن يشمله دائماً بكريم رعايته وحفظه، قائداً فذاً، له كل الحب والوفاء والتقدير.. أعزّه الله وحماه.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق