العودة وخطط التهجير - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

قد يكون السيل البشري الجارف الذي حمل معه مئات آلاف النازحين من جنوب قطاع غزة إلى شماله، فور انسحاب الجيش الإسرائيلي من محور نتساريم، هو الردّ الأبلغ على كل خطط التهجير لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وديارهم.
ومع ذلك، يمكن القول إن التهجير والعودة أمران مترابطان، في المفهوم السياسي، وإن كان التهجير يصنّف بأنه «جريمة حرب» موصوفة في القانون الدولي. وفي الحالة الفلسطينية، ظل تهجير فلسطينيّي قطاع غزة أحد أهداف الحرب الإسرائيلية غير المعلنة، لكنه فشل، في نهاية المطاف، بفضل ثبات الفلسطينيين على أرضهم، رغم النزوح الداخلي الذي طال عملياً كل سكان القطاع تقريباً، وبسبب الموقف المصري والأردني والعربي عموماً الرافض قطعاً لتهجير الفلسطينيين.
ومع ذلك، فإن هذا الفشل لم يمنع بقاءه على جدول الأعمال الإسرائيلي حتى جاء تنفيذ ما يسمى «خطة الجنرالات» التي استهدفت ليس فقط قتل وتهجير آلاف الفلسطينيين الذين ظلوا في الشمال، وإنما تدمير كل المنازل والبنى التحتية والمستشفيات، وإعدام كل مقومات الحياة في عملية تطهير عرقي كاملة الأوصاف، لضمان عدم عودة من يتبقى من النازحين إليها وتحويلها إلى منطقة عازلة تمهيداً لضمّها لاحقاً. ولكن هذه الخطة فشلت أيضاً، وتكبّد الجيش الإسرائيلي خلالها خسائر باهظة دفعت الكثير من الجنود والضباط إلى المطالبة بإنهاء الحرب.
اليوم يعود مئات آلاف الفلسطينيين إلى شمال غزة في ما يشبه ملحمة تاريخية، هي الأولى في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، رغم معرفتهم التامة بأنهم يعودون إلى أكوام من الأنقاض والدمار، وأن 90 في المئة من منازلهم قد سُوِّيت بالأرض، لكنهم يدركون أيضاً أن أحلامهم قد تحققت بالعودة إلى الوطن. هذه العودة الجماعية العفوية المذهلة حقاً، أحدثت صدمة لدى مختلف الأوساط الإسرائيلية، خصوصاً اليمين المتطرف، لأنها ببساطة تحمل كل معاني الفشل الإسرائيلي في تحقيق أهداف الحرب، ولأنها تتناقض مع أيديولوجية هذا اليمين المتطرف بالذات، الذي كان يعدّ العدة ويعقد المؤتمرات لبناء الفلل والمشاريع الاستيطانية الفاخرة على شواطئ غزة. هذه الأحلام تبخرت بالفعل، وبات اليمين المتطرف يطالب باستئناف الحرب لتحقيق الأهداف التي لم تتحقق طوال نحو 15 شهراً، ويراهن على دعوة ترامب لتهجير فلسطينيّي القطاع، من دون الاعتراف بأن الواقع على الأرض قد تغير وأصبح أكثر تعقيداً، وأن هناك وقائع جديدة وزخماً دولياً يريد إنهاء الحرب. فضلاً عن أن الرهان على دعود ترامب، خاسر أصلاً، ليس فقط بسبب الرفض العربي والإسلامي والدولي الحازم، ولكن أيضاً بسبب تشبّث الفلسطيني بأرضه ووطنه، وهويته الوطنية والتاريخية.
ربما كان من الأجدر لترامب، الذي تباهى بأنه لعب الدور الأكبر في وقف إطلاق النار في غزة، أن يفتح مسار التسوية السياسية، وتمكين الفلسطينيين من نيل حقوقهم المشروعة، باعتباره الطريق الأقصر والوحيد الذي يضمن أمن واستقرار المنطقة، بدلاً من تضييع الوقت، في الركض وراء طروحات عفَّى عليها الزمن.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق