الشعر والرواية حاضران على نحو لافت للقارئ وللمتابع الصحفي الثقافي في مهرجان طيران الإمارات في دورته السابعة عشرة في دبي.
ومن الجميل أن يأخذ الشعر في المهرجان أفقاً ميدانياً ومكانياً في الصحراء، حيث جرت العادة أن يقرأ شعراء إماراتيون وعرب وأجانب من قارّات مختلفة في الليل وفي الصحراء، حيث تتجاور الأرواح الشعرية العالمية وتلتقي في مكان مفتوح وفي الوقت نفسه هو مكان ملهم وحافز على الكتابة، وبخاصة من جانب الشعراء غير العرب الذين تشكّل لهم الصحراء حالة تأملية تحيل إلى الشعر العربي المرتبط ذهنياً وثقافياً بهذا المدى المكاني «الرملي» عبر قراءات الأجانب لديوان العرب، الذي هو أيضاً ديوان المكان العربي وعنوانه الصحراء.
الرواية العربية رواية صحراء أيضاً في بعض التجارب الفارقة في هذا الفن السردي الذي يتمحور أيضاً حول المكان، وبخاصة تجربة إبراهيم الكوني الذي استضافه المهرجان في إحدى دوراته السابقة، وتكاد تكون الصحراء هي الثيمة الوحيدة والأساسية في الأدب الروائي «الكُوني» بكل محمولاتها الأسطورية والتراثية (موروث الطوارق على سبيل المثال).
في هذه الدورة من مهرجان طيران الإمارات تابعت فعالية «روائية» على درجة كبيرة من الأهمية الثقافية، وقد جمعت هذه الفعالية بين ثلاث روائيات شابّات، واحدة منهن عربية هي الكاتبة سارة حمدان، إلى جانب الكاتبة جولي مين مؤلفة رواية «سكان شنغهاي»، والكاتبة إميلي دونلاي مؤلفة رواية «تيدي». واللقاء الثلاثي الروائي النسائي هذا في المهرجان يُعتبر حواراً مشتركاً حول فن الرواية أولاً، وثانياً يتيح لنا التعرّف إلى الكيفية التي تكتب بها المرأة الأجنبية الرواية التي تلقى سوقاً نشرية واسعة الانتشار والجدوى الاقتصادية في الغرب. هذا من ناحية مادية، ومن ناحية معنوية سنتعرف بالطبع إلى القضايا الإنسانية والروحية والفكرية التي تنشغل بها الكاتبة الأجنبية مُقارنةً مع الموضوع الروائي الذي تنشغل به الكاتبة العربية.
ضمن هذا الأفق الحواري الثقافي المشترك يعمّق مهرجان طيران الإمارات مفهوم الحوار الثقافي وهو العنوان الأكثر تداولاً اليوم في الأدبيات الثقافية الصحفية، وفي رأيي أن مصطلح أو مفهوم الحوار قد ظُلمَ كثيراً في هذه الأدبيات؛ ذلك أنه وُظِّفَ سياسياً وليس ثقافياً، فأي حوار إيجابي على مستوى الفكر والسجال والنقد، يجب أن يبدأ من الثقافة، لا بل يجب أن يبدأ حوار الأفكار والشعوب من الفنون والمشتركات التراثية بين بلدان العالم.
الشعر مادة فكرية يمكن أن يقوم عليها ليس الحوار فقط، بل الشعر فضاء جمالي إنساني لتكريس مفاهيم وقيم رفيعة مثل التعايش والتنوّع والصداقة، وكذلك، الرواية يمكن أن تكون بوّابة رحبة لتفاعل أفكار ومبادئ الجمال والنبل وخير البشرية. وهي جميعاً منظومة ثقافية عالمية تشكّل الهوية الإنسانية الرفيعة لمهرجان طيران الإمارات.
[email protected]
0 تعليق