المشترك والطريق نحو التنمية والديمقراطية - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

د.إدريس لكريني

إن تعثّر التنمية والديمقراطية في عدد من البلدان العربية، ليس محض صدفة وإنما هو نتاج عوامل مختلفة تتداخل فيه عناصر داخلية وأخرى خارجية في أبعادهما الاقتصادية والسياسية والأمنية والثقافية.
فتحقيق الديمقراطية وكسب رهانات التنمية لا يمكن أن يتم بالتركيز على الجوانب المؤسساتية والاقتصادية والأمنية فقط، من دون الاستثمار في العنصر البشري، بالنظر إلى قيمة الفرد كمحرك حقيقي لعجلة التنمية ولدوره في إعطاء مدلول واقعي ومستدام للديمقراطية كفكر وسلوك.
رغم سنّ الدساتير، وتنظيم الانتخابات، والمصادقة على عدد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، وإطلاق عدد من المشاريع ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي في عدد من الدول العربية، إلا أن الطريق نحو تحقيق التنمية وترسيخ الديمقراطية مازال بعيد المنال، مقارنة مع مجموعة من الدول في أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا التي حققت الكثير من المنجزات وأصبحت تحظى بمكانة وازنة بين الأمم.
ويبرز الكثير من المؤشرات إلى أن المنطقة في حاجة ماسة إلى ترسيخ ثقافة سياسية داخل المجتمع وفي أوساط الفاعلين السياسيين تقوم على المشترك، وعلى قيم المواطنة بأبعادها القانونية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وما يتصل بذلك من قيم وسلوكات وقناعات وتمثّلات تتحكم في علاقة الأفراد فيما بينهم، أو في علاقتهم بالسلطة السياسية الحاكمة، وبالحياة السياسية وبقضاياها المختلفة، سواء على مستوى توخي الحوار والعيش المشترك والتسامح والتداول السلمي على السلطة، وكذا نبذ العنف والتطرف والإرهاب ورفض الفساد بكل أشكاله.
إن الشعور بالانتماء إلى فضاء مجتمعي ما، هو عامل مهم لاستتباب الأمن والاستقرار والإحساس بالطمأنينة. حيث تتوارى معه الشكوك والانتماءات الضيقة، والصراعات الطائفية والدينية والعرقية، ليحلّ مكانها الشعور بانتماء أرحب تتحكم فيه القواسم المشتركة، بما تختزنه من أعراف وثقافة وقيم ومبادئ جماعية وعيش مشترك ومصير واحد وتحديات مختلفة.
وتنبني الممارسة الديمقراطية في أحد أهم عناصرها على تدبير الاختلاف بشكل بنّاء، حيث يتقوّى الشعور بالمواطنة داخل المجتمعات التي تترسّخ بداخلها قيم العدالة والحرية والمساواة، فيما يضعف هذا الشعور داخل الدول التي لا تستطيع استيعاب مكوناتها المختلفة.
إن المبالغة في استحضار الجوانب المؤسساتية والشكلية في بناء الديمقراطية أو تحقيق التنمية، يظل مجرد عملية بلا روح في غياب الاهتمام بالإنسان وبكرامته على عدة مستويات ثقافية وتعليمية وتربوية وصحية، فهو الكفيل بإعطاء مدلول حقيقي للتنمية وللديمقراطية، وخصوصاً إذا كانت تستحضره باعتباره فاعلاً ومستهدفاً بديناميتهما.
إن وجود استعداد للتغيير والتأقلم مع التطورات القائمة داخل المجتمعات والتفاعل مع تلك التي يفرضها المحيط الخارجي، علاوة على قوة الروابط المشتركة التي تجمع بين مكوناتها، تلعب دوراً محورياً في تأمين مسار التحول الديمقراطي وتوفير شروط التنمية، ذلك أن ضعف الشعور بالمواطنة، والاختباء خلف انتماءات ضيقة إثنية كانت أو عرقية أو دينية، يمكن أن يهدّد وحدة الدولة وتماسك المجتمع ويكرس الهدر والفساد بكل مظاهرهما.
تتميّز منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط بتنوعها المجتمعي بصوره العرقية والإثنية والثقافية والدينية، وفي الوقت الذي استثمرت فيه الكثير من دول العالم هذا التنوع في دعم وحدتها وتمتين استقرارها، عبر تدبير هذا الأخير بصورة ديمقراطية تستند إلى الحرية والعدالة، فإن هذا التنوع اتخذ طابعاً طائفياً في عدد من بلدان المنطقة، وفجّر الكثير من الصراعات، التي لم تخلُ من مظاهر العنف والتطرف.
وقد كشف مسار الحراك الذي شهدته المنطقة عن وجود اختلالات كبيرة وخطيرة على مستوى ترسيخ ثقافة مجتمعية تدعم عملية التحول الديمقراطي، وبخاصة مع تفشي الطائفية والعنف في تدبير الخلافات والعزوف عن السياسة وعن الشأن العام. فالصراع الطائفي الذي أفسد التحوّل نحو الديمقراطية في لبنان والعراق..، وما زال يطرح تحديات كبيرة في كل من ليبيا واليمن وسوريا..
إن الظرفية التي تمر بها المنطقة بأزماتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية، تظهر أن هناك حاجة ماسة إلى إرساء ثقافة سياسية تسهم في استقرار المجتمع وتعلي من شأن الإنسان وقيمته، وتضمن له الكرامة، وتحصّنه ضدّ مختلف المخاطر، في إطار تعاقد جديد بين الدولة والمجتمع، يدعم التضامن والتشاركية في صناعة القرارات، ويعزّز من حضور الدولة في تصحيح الاختلالات الطبقية والمجالية، ويتيح انخراط الفرد في مواكبة ونقد السياسات العمومية وتقييمها وتوجيهها، ويرسخ العدالة وتكافؤ الفرص وربط المسؤوليات بالمحاسبة، وعدم الإفلات من العقاب.
لا يمكن كسب كل هذه الرهانات إلا عبر إرساء تنشئة اجتماعية سليمة، تقوم على التربية على احترام حقوق الإنسان، والالتزام بالواجبات والتمتع بالحقوق، وعلى تنمية شخصية الفرد وتطوير قدراته الفكرية، ومنحه الثّقة في نفسه، والجرأة في المرافعة بصدد قضاياه، ودفعه نحو التكيف الإيجابي مع محيطه، والإسهام في بلورة مواقف وسلوكيات مواطنة، تؤمن بالمشترك في إطار من الحرية والمسؤولية.
وإذا كان ترسيخ قيم المواطنة ومرتكزاتها يسائل الدولة باعتبارها المعنية بتطبيق القوانين وسنّ السياسات العمومية وحماية الحقوق والحريات وتطوير منظمة التعليم، والتفاعل مع انتظارات المجتمع، من حيث توفير شروطها القانونية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، فإنه يعني أيضاً مختلف الفعاليات وقنوات التنشئة الأخرى من أسرة وإعلام ونخب مثقفة وأحزاب سياسية ومجتمع مدني.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق