التهجير وتصفية حق العودة - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

بينما يسود الترقب مصير الهدنة الهشة في قطاع غزة، تشهد الضفة الغربية أسوأ أيامها في ظل الاحتلال الإسرائيلي الذي أطلق العنان لقواته ومستوطنيه ليستبيحوا كل شيء، والشاهد على ذلك ما حدث لمخيمات جنين وطولكرم ونور شمس من تدمير للمنازل والبنى التحتية وتهجير متصاعد للسكان.
كل ما يجري في مدن الضفة الغربية وقراها ومخيماتها يؤشر إلى أمر جلل يوشك على الحدوث، ويبدو أنه ينتظر ضوءاً أخضر أمريكياً كما تعهد قبل أيام الرئيس دونالد ترامب، وتؤكده معظم التقارير والتسريبات التي تشير إلى أن التحرك الميداني لضم الضفة الغربية قد بدأ فعلاً، وهذه الخطة ليست وليدة اليوم ولا هي بسبب الحرب على غزة، فمخطط الضم الإسرائيلي قائم منذ الانتفاضة الثانية، وتأجل مرات عدة بفعل ضغط الإدارات الأمريكية السابقة من أيام جورج بوش الابن. أما مع ترامب، فإن الوضع مختلف، فهو يزايد على سلفه جو بايدن في دعم إسرائيل، دون أي مراعاة لمبادئ أو أخلاق أو قانون. وما الحديث المتكرر عن قطاع غزة وخطة تهجير أهله وشرائه وامتلاكه ثم بيعه، إن أمكن، إلا وصفة عبثية تمهد لفتح «أبواب الجحيم» على الضفة الغربية بذريعة أن الخطة لم تجد طريقها إلى التطبيق في غزة، ولا مانع من تجربتها في مكان آخر، وهذه الفرضية قائمة ويجري الحديث عنها في أوساط المتطرفين الإسرائيليين والدوائر الغربية القريبة منهم، بل ويروج لها وزراء في حكومة تل أبيب.
التدمير الممنهج للمخيمات في الضفة الغربية يحمل أهدافاً خبيثة، أهمها إفراغها من كل الفلسطينيين اللاجئين منذ حرب 1948، وتهجيرهم إلى خارج الأراضي المحتلة، والوصفة نفسها تجري محاولة لتنفيذها في قطاع غزة من خلال السعي إلى تهجير الفلسطينيين من غير السكان الأصليين للقطاع، وهم اللاجئون إليه بعد النكبة التاريخية، والغاية من الخطة المزدوجة إسقاط «حق العودة» نهائياً، كما تحدث ترامب نفسه، وتحلم بتنفيذه إسرائيل منذ سبعة وسبعين عاماً، وهي خطوة ضرورية للقضاء على «حل الدولتين».
خلال الساعات الماضية تعكرت حالة الهدنة السارية في غزة بعد مؤشرات عن تعليق الدفعة السادسة لتبادل الأسرى والرهائن، وتحريض الأصوات المتطرفة في تل أبيب على استئناف العدوان والتدمير وتحقيق أهداف الحرب، التي يعد التهجير أحد أركانها وعنوانها الأكبر. وفي ضوء التحريض والدعم القادم من البيت الأبيض، فإن آلة التطرف الإسرائيلية مستنفرة لخرق كل الضوابط والحدود دون الخشية من العواقب والتداعيات. وحسب الخطة التي توحي بها عبارة «الجحيم»، فهي تعني صب قوة نيران هائلة على غزة وعسكرة شاملة للضفة الغربية والدفع بمئات آلاف الفلسطينيين إلى الهجرة بقوة الحديد والنار والتجويع و«القتل لا الاعتقال»، وفق الأوامر الأخيرة الصادرة للجيش الإسرائيلي.
الأيام القليلة المقبلة لن تكون هينة في مسار الصراع الدائر في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويبدو أن التفاؤل الحذر الذي ساد مع بدء الهدنة في غزة أخذ يتبدد ويتجه إلى فصل آخر أكثر مأساوية. ورغم قساوته المفترضة، سيكون فصلاً حاسماً ونقطة فارقة بين زمنين في تاريخ القضية الفلسطينية، مع ما قد يحمله هذا التطور من مفاجآت ليست في الحسبان، ولا ينتبه إليها إلا قليلون.
[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق